وقد كنت من هذا المضر مدافعا زمانا طويلا رافعا فيه أصواتي
فلما تبينت المضرة وانجلت حقيقته بادرته بالمناواتي
طبيعته اليبس الملم ببردة أخا الموت كم أفنيت منا الكراماتي
وقيمة شاري القات في أهل سوقه كقيمة ما يدفعه في ثمن القات
وإنهم ليجتمعون على أكله من منتصف النهار إلى غروب الشمس، وربما استمر الاجتماع إلى منتصف الليل؛ يأكلون الشجر، ويفرون أعراض الغائبين، ويخوضون في كل باطل، ويتكلمون فيما لا يعنيهم.
ويزعم بعضهم أنه يستعين به على قيام الليل، وأنه قوت الصالحين. ويقولون: جاء به الخضر من جبل قاف للملك ذي القرنين، ويروون فيه من الحكايات والأقاصيص شيئا كثيرا، وربما رفع بعضهم عقيرته بقوله:
صفت وطابت بأكل القات أوقاتي .........................
كله لما شئت من دنيا وآخرة ودفع ضر وجلب للمسرات
ومن الشيوخ الذين قضى القات على أضراسهم من يدقه ويطرب لسماع صوت المدق، ثم يلوكه ويمص ماءه، وقد يجففونه
ثم يحملونه معهم في أسفارهم، وإذا رآهم من لا يعرف القات سخر بهم وضحك منهم، وإن أحد المصريين ليقول في قصيدة يهجو بها اليمنيين: أسارى القات لا تبغوا على من يرى في القات طبا غير شافي
أما (التنباك) وهو التبغ فضرره أكبر، والمصيبة به أعظم، ولا يبعد أن يكون من الخبائث التي نهى الله عنها، ولو لم يكن فيه من الشر إلا ما تشهد به الأطباء لكان كافيا في تجنبه والابتعاد عنه. وقد أفرط جماعات من المسلمين في حكمه حتى جعلوه مثل الخمر، وحاربوه بكل وسيلة، وقالوا بفسق متعاطيه. كما أن آخرين قد بالغوا في استعماله إلى حد بعيد. وهو شجرة خبيثة دخلت بلاد المسلمين في حوالي عام 1012 ه وانتشر في سائر البلاد.
إلى أن قال: وأخبث من ذا وذاك من يمضغ التنباك ويجمعه مطحونا مع مواد أخرى ثم يضعه بين شفتيه وأسنانه، ويسمى ذلك ب: (بالشمة)، فيبصق متعاطيها حيث كان، بصاقا تعافه النفوس ويتقذر به المكان، ولربما لفظها من فمه كسلحة الديك في أنظف مكان، وللناس فيما يعشقون مذاهب. وبعضهم يستنشق التنباك بعد طحنه، وهو (البردقان) يصبه في أنفه صبا يفسد به دماغه،
ويجني به على سمعه وبصره، ثم لا ينفك عاطسا، ويتمخط بيده، وفي منديله أو على الأرض، وأمام الجالسين.
أخبرني أحد أصدقائي: أن قريبه الذي كان يستعمل البردقان لما مات مكث ثلاث ساعات وأنفه يتصبب خبثا. ولو اقتصر الناس على ما لا بد منه للحياة لاستراحوا من التكاليف والنفقات الشاقة، ولما عرضوا أنفسهم لشيء من هذه الشرور.
وأنا لا أقيس القات والتنباك بالخمر في التحريم وما يترتب عليه من عقاب الآخرة, ولكن أقول: هذا قريب من هذا، وكل مضر بصحة الإنسان؛ بدنه أو عقله أو ماله فهو حرام، والبر: ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم: ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك المفتون، والله تعالى يقول: سورة المائدة الآية 90 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ سورة المائدة الآية 91 إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ انتهى كلام الشيخ محمد بن سالم البيحاني في ذلك.
وقد ذكر صفات القات وحكم عليها بالضرر والنهي والتحريم، لكن قوله: وأنا لا أقيس القات والتنباك بالخمر .. إلى آخره - الظاهر أن مراده: أن غلظ تحريم القات والتنباك ليس كغلظ تحريم الخمر وما يجب عليه من حد في الدنيا وعقاب في الآخرة، مع اتفاقهما في أصل التحريم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في (الاختيارات) (الاختيارات الفقهية) منشورات المؤسسة السعيدية، ص 513. (فصل) وإذا شككت في المطعوم والمشروب هل يسكر أم لا؟ لم يحرم عليك بمجرد الشك، ولم يقم الحد على شاربه، ولا ينبغي إباحته للناس، إذ كان يجوز أن يكون مسكرا، لأن إباحة الحرام مثل تحريم الحلال، فيكشف عن هذا بشهادة من تقبل شهادته؛ مثل أن يكون طعمه ثم تاب منه، أو طعمه غير معتقد تحريمه، أو معتقدا حله لتداو ونحوه، أو مذهب الكوفيين في تناول يسير النبيذ. فإن شهد به جماعة ممن تناوله معتقدا تحريمه
¥