[سلوة الصالحين من الفقراء بقلة ذات اليد من إمام الأنبياء وتابعيه صلى الله عليه وسلم.]
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[04 - 05 - 08, 10:34 م]ـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.
وبعد:
فالناظر في أحوال البشرية اليوم أو قل: المسلمين لا يجدهم غير أربعة رجال:
رجلٌ بسط الله عليه الرزق وألهمه الشكر فكان سليمانيا بتصريف فضل الله عليه في مراضي الله ومَحَابِّه , وهو معترف لربه بالفضل عليه مقر بجميل منته لديه يقول بحاله ومقاله هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر.
ورجلٌ بسط الله عليه الرزق فكان قارونياً يقول بلسان الحال (إنما أوتيته على علم عندي) أو بلغة عصرية بكدي وذكائي وتعبي وشقاي وتحويشة عمري وغير ذلك مما لا تسمع معه نسبة النعمة إلى المنعم جل وعز.
ورجل ٌ قدر الله عليه رزقه وضاقَ حاله وقلت منه ذات اليد وما ثناه الفقر والفاقة عن محاربة الله بالمعاصي والاستعلاء عن الضراعة بين يديه وسؤاله من فضله فهو يسرق ويحتال ويغش ويخادع ويتسول ويجمع المال من كل طريق فالحلال عنده ما حل في يده , وهذا والعياذ بالله كفقراء المجوس واليهود الذين ذاقوا ويلات الدنيا بالفقر وويلات الآخرة بالعذاب على ما كانوا يصنعون , خسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
ورجلٌ قدر الله عليه رزقه وضاقَ حاله وقلت منه ذات اليد فما اشتكى لغير الله وما مد كفا إلا لمولاه يزهو بقناعة قل نظيرها عند أحد , إن وجد قنع وإن لم يجد صبر وحمد , ومثل هذا الرجل الأخير هو من عنيته بهذه الكلمات لا لشيء إلا لكثرة نوعيته بين أهل العلم والقرآن , فأولاء وإن كان بعضهم ممن بسط الله عليه الرزق فصاروا كالصديق وابن عوف وكانوا رجلاً صالحاً أوتي مالاً صالحاً إلا أن كثيراً جداً منهم فقراء بسطاء أخفياءُ.
ولو لم يكن لهذا الصنف من الأخيار إلا أنَّ الله اختار لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن يكون إمامهم في هذه العيشة - الراضية باطناً وإن ظهرت للرائين قسوتها ومرارتها - لكفاهم ذلكم شرفاً , وهذه محاولة أَبتدِأُها وأؤملُ من الإخوة الأفاضل إكمالَها حول مظاهر الفقر والقلة التي عاشها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في حياته , ومرَّ بها أتباعه الكرام من الصحابة والتابعين والعلماء وعوام الصالحين من المسلمين إلى هذا الزمن , ليتخذها كل من قُدر عليه رزقه سلوى ينجلي عنه بها الحزن , ويُنحَرُ بها الأسفُ على فوات الدنيا وفق الطريقة النبوية , مستقبلاً صاحبها القبلة الآخرة التي تُنسِي الغمسة فيها بؤس الدنيا كلها فكيف بمقيل أو مبيت بل كيف بخلود وبقاء.؟
إنَّ حياة إمامنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لازمها الفقر والشدة قبل خروجه لهذه الدنيا بوفاة والده , فخرج يتيماً فآواه الله بكفالة عمه أبي طالب له وبذلك امتنّ عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقوله سبحانه (ألمْ يجِدكَ يتِيماً فَآوَى).
وما إن انتهت مرحلة طفولته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - التي عانى فيها ذووه ما عانوه وهم يطلبون له مرضعاً فأبين عنه تطلعاً إلى من كثر مالُه من أبناء الأثرياء حتى أكرم الله حليمة رضي الله عنها باسترضاعه ففازت بخيري الدارين - حتى شبَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في حاجة وفقرٍ اضطرَّاه لأن يكون راعياً لغنم أثرياء مكة يومئذ , ففي الصحيح أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال (ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم). فقال أصحابه وأنت؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة).
وكم من حملة القرآن وطلاب العلم اليومَ الذين أنعم الله عليهم بالعمل والتكسُّب بالمهن اليدوية وغيرُهم من المبتَلَيْن يحصد الملايين من الربا والمحرمات وهو متكئٌ على أريكته , فحريٌ بأولئك الكادحين بحثا عن الحلال شكر الله على هذه النعمة واستصحاب معاناته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في هذه الفترة من عمره بل والفترة التي تلتها يوم أكرمه الله بالزواج من سيدة غنية في قريش بعد أن رأت منه أثناء عمله عندها براهين الصدق والأمانة التي لم تملك أمامها إلا الخروج عن الأعراف والتقاليد التي تحكُم مثيلاتها فرغبت
¥