الزّواج من هذا الشاب المجد المجتهد في عمله وخطبها عمه حكزة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - من أبيها.
وبعد البعثة النبوية عاش - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حياةً لم يتغير فيها شيئ من حيثُ الجدة والوفرة , بل كان يأتيه السائل فيحاول سقايته وإطعامه ويحول العجز والفقر بينه وبين ذلك ففي الصحيح أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جاءه رجلٌ فقال إني مجهود فأرسل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلى بعض نسائه فقالت والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قلن كلهن مثل ذلك لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء
فطلب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من صحابته من يقومُ باستضافته وإطعامه إذ عجز هو عن ذلك.
فانطلق به أحد الأنصار 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - إلى رحله فقال لامرأته هل عندك شيء؟ قالت لا إلا قوت صبياني قال فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه قال فقعدوا وأكل الضيف فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال (قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة)
ولك أن تتأمّل تسع بيوت ما على الأرض بيوت أحبُّ إلى الله منها تخلو من كل شيء عدا الماء , ثمَّ يحالُ السائل إلى بيت من بيوت الصحابة ما فيه إلا قوت صبية يتضاوون من الجوع , وبيوتنا اليومَ تلقى منها أطايب الأطعمة مع حفايظ الأطفال ومخلفاتهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.!!
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيح: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض.!!
وتمرّ عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أيام يضطر فيها إلى أكل ورق الشجر ففي الصحيح عن قيس عن سعد 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال
: رأيتني سابع سبعة مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ما لنا طعام إلا ورق الحبلة أو الحبلة حتى يضع أحدنا ما تضع الشاة ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام خسرت إذا وضل سعيي.!
وفي داره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكن ثمة ما يرد العينَ من وثير الفرش و ألوانها وأشكالها المتعددة , بل له وسادة يشترك فيها هو وزوجه رضي الله عنها و وإن احتاج الأمرُ ودعت الضرورة إلى اشتراك ثالثٍ من أهل الدار معهما فلا حيلة إلا ذلك ففي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات ليلة عند ميمونة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهي خالته قال فاضطجعت في عرض الوسادة وأضطجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأهله في طولها.!!
ولو جرّب أحدنا ذلك مع طفله أو الرضيع من أطفاله وزوجته لما تحمّله ولشق الأمر عليه.
بل كانت تضيق عليه حجر داره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن اجتماع نوم أهله وسجوده هو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما قالت والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح.!
وينام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الحصير فلا يقوم عنه إلا وقد أثّر في جنبه تأثيراً استنزل عبرات الفاروق 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - والفاروق الفاروق في صبره وشدته وخشونته , ترى أيُّ أثر هذا الذي تركه الحصير على جنب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأبكى عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -.؟
جاء في الصحيح عن عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في بعض حديثه يصف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وإن عند رجليه قرظا مصبوبا وعند رأسه أهب معلقة فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (ما يبكيك). فقلت يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخر ة)
ونفقته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كانت التمرَ والماءَ شهوراً , ففي الصحيح عن عروة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نار قال قلت يا خالة فعلى أي شيء كنتم تعيشون قالت على الأسودين التمر والماء.!!
وتلاقى بنته الطاهرة رضي الله عنها ما تلاقيه من أثر العمل في بيت زوجها 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - حتى تركت الرّحى أثراً في يديها , فتصبرُ ولا تشتكي لعلمها أن أباها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا طاقة له بتوفير الخادم حتى طرق مسمعها أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وجد رقيقاً من السبي فأخبرت أمَّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها بالحال وما تجده من أثر العمل فما كان منه لتخبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيجود لها بعبد أو أمة تقوم بشأنها فقال لها وهو الأبُ الرحيم القائل في فاطمة رضي الله عنها: إنّما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما أذاها.
ولا شك أن وقع أثر الرّحى على يديها قد بلغ من قلب هذا الأب الحاني مبلغاً عظيما , ولكنه رغم كل ذلك تحامل على عواطفه وفرّق السبي بين المسلمين وجاء لبنته وزوجها رضي الله عنهما قائلاً: (ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين فهو خير لكما من خادم).
وأترك المجال للأحبة الأعضاء لإتحافنا بما علموه وتعلموه من شدة الحال في حياة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وصحابته وتابعيهم إلى هذا الزمن , ولي عودة إلى الموضوع إن شاء الله.
¥