الدعاة .. أوتاداً .. !
ـ[أبو سحاب السبيعي]ــــــــ[02 - 02 - 03, 02:43 م]ـ
قال الله تعالى (و الجبال أوتاداً)
الكل يعرف الوتد – خاصة أهل الرحلات البرية – و هو تلك الحديدة التي تثبت بها الخيمة ..
هذا الوتد يغرس جزؤه الأكبر تحت الأرض، و ما تبقى يكون في الخارج مربوطاً بحبال الخيمة .. !
فائدته العظمى تثبيت الخيمة لكيلا تتمايل مع هبوب الريح!
و قد أثبتت الدراسات أن الجبال لها نفس الخاصية، فطولها تحت الأرض يساوي ثلاث أضعاف طولها فوق الأرض ..
و لهذا سميت الجبال (أوتاداً) لشبهها بالوتد في كون جزئها الأكبر تحت الأرض ..
و سميت أيضاً بذلك لأن الجبال لها خاصية تثبيت الأرض كما أن للأوتاد خاصية تثبيت الخيام
قال ابن كثير [أَيْ جَعَلَهَا لَهَا أَوْتَادًا أَرْسَاهَا بِهَا وَثَبَّتَهَا وَقَرَّرَهَا حَتَّى سَكَنَتْ وَلَمْ تَضْطَرِب بِمَنْ عَلَيْهَا]
قال القرطبي [أَيْ لِتَسْكُن وَلا تَتَكَفَّأ وَلا تَمِيل بِأَهْلِهَا]
ولهذا قال الله تعالى في محكم التنزيل (و ألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم .. الآية) ..
وقال أيضاً (و جعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم .. الآية) ..
وقال تعالى (خلق السموات بغير عمد ترونها و ألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم .. الآية)
أي أن هذه الجبال وضعت من الله عز وجل لتثبت الأرض ..
و لكيلا تميل بالخلق .. !
قال ابن كثير [ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى الأرْض وَمَا أَلْقَى فِيهَا مِنْ الرَّوَاسِي الشَّامِخَات وَالْجِبَال الرَّاسِيَات لِتَقَرّ الأرْض وَلا تَمِيد أَيْ تَضْطَرِب بِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْحَيَوَانَات فَلا يَهْنَأ لَهُمْ عَيْش بِسَبَبِ ذَلِكَ]
و كذلك هم الدعاة إلى الله عز وجل ..
تجد أن الجزء الأكبر من حياتهم قد صرفوه للدعوة إلى الله عز وجل ..
و لم يجعلوا لأنفسهم إلا الجزء اليسير المتبقي .. !
و كذلك بدعوتهم، و توجيه الناس للخير كانوا سبباً في ثبات الأرض ..
و عدم ميلها بالهرج و المرج!
و دعوتهم و أمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر سبب من أسباب ثبات الأرض و قرارها، و أمنها ..
قال الله تعالى (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [78] كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
و قصة أصحاب السبت أشهر من أن تذكر في ذلك .. !
فكان ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبب عظيم من أسباب لعنة الله، و عقابه أيضاً ..
فترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبب عظيم من أسباب ضنك العيش، و انعدام الأمن، و وقوع الفتن و النقم على عباد الله، فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم عن ربه أنه أمر ملائكته بعذاب قرية، فقالوا: فيها عبدك الصالح فلان، قال: فبه فابدءوا، فإنه لم يتمعر وجهه في قط .. !
و بيّن النبي صلى الله عليه و سلم أن الله ينزل عذابه على بعض عباده، فقالت عائشة رضي الله عنها و عن أبيها: أنهلك و فينا الصالحون؟ فقال: نعم .. إذا كثر الخبث!
و قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا ما لك قال تأذيتم بي ولا بد لي من الماء فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم) رواه البخاري.
قال ابن حجر في شرح الحديث (وفيه استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف).
فلهذا كان لزاماً على الدعاة إلى الله أن يستشعروا عظم المسؤولية الملقاة على عواتقهم، فهم أوتاد المجتمع، بهم يثبت المجتمع، و يستقر، و ينتشر الأمن، و رغد العيش ..
فبدعوتهم الناس إلى دين الله عز وجل ..
و أمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر ..
و جهادهم الكفار، و المرتدين، و البغاة ..
فبالجهاد و الدعوة يقضى على الفتنة (الشرك و الكفر) و ينتشر دين الله عز وجل، و تحل الخيرات ..
قال تعالى
قال الله تعالى (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا)
و قال تعالى (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [10] يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا)
و قال تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة: 193.
و قال تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال: 93.
كل ذلك و غيره سبب عظيم من أسباب ثبات المجتمع، و استقراره ..
فهم بحق .. (أوتاد المجتمع).
أخوكم:
أبو سحاب السبيعي.
29/ 12/1423هـ
¥