تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبادئ ذي بدء، نقرر أنّنا لا نعترض على أن يناقش الرجل موضوع المهديّ من الوجهة الحديثية، أو أن يضعّف أو يصحح ما جاء فيه طالما أنه يسير على طريق منهجيّ في هذا الأمر، وطالما أن لديه الأدوات اللازمة لهذا اللون من النقد. لو أنه تحدث عن زيدٍ أبا الحوارى (أو بن الحوارى)، المعروف بزيد العَميّ، أحد رواه حديث أبي داود المعروف عن المهدي، وتضعيف بعض أئمة الحديث له لكان خيراً له ولما أثار حنقاً أو إعتراضاً، ولكن الرجل لا يأبه بضعف سند أو صحته، ولا بما أورد البخاري أو مسلم، بل لا يأبه بمنهج أهل السنة والمحدثين في نقد الحديث جملة وتفصيلاً، إنما هو يَِقْدُم إلى هذا المجال بمنهج قديم جديد كما ذكرنا، يضعه تحت عنوان "مراجعة التراث"، ويخرج بتعريف جديد للسنة ويسميها "السنة القرآنية". وهو عرض جديد لمذهب الإعتزال القديم الذي ينكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ورد بطريق الآحاد.

ويتلخص مذهب هؤلاء فيما أطلقوا عليه الأصول الخمسة وهي "العدل" ويعنى نفي القدر وأنّ العبادَ خالقون لأفعالهم دون الله سبحانه،، و"التوحيد" ويعنون به نفي صفات الله سبحانه الثابتة، و"المنزلة بين المنزلتين" وتعنى أنّ العاصى ليس بمسلم ولا بكافر!، "ومبدأ "الوعد والوعيد" وهو أن الله سينفذ وعده ووعيده، ونظرية "الصالح والأصلح" وتعنى أن الله سبحانه لا يفعل إلا الصالح لعباده ولا يفعل الشر بل ولا يقدر علي فعله! ثم قاعدة "التحسين والتقبيح العقلي" وتعنى أنّ الأشياء بها حسن وقبح ذاتيين لا تحتاج إلى تشريع لإثبات حسنها أو قبحها.

وهذه القواعد الإعتزالية قد قضت على أصحابها نهجاً معيّناً في النظر إلى نصوص الشريعة ليمكن لهم إثباتها، ومن هذا النهج إنكار غالب ما ورد من حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى أنها أحاديث آحاد [3]، ولهذا لم يقيموا وزناً لما رواه البخاري أو مسلم أو ما سحّ من سند أو ضعف كما ذكرنا، إذ إن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة لا تقرّ لهم بما أرادوا، فما كان منهم إلا أن ردّوها بزعم معارضتها للعقل، ولا نعلم عقل من بالذات، إذ العقل ليس بكائن خارجيّ متفرد يقبع على رفّ من الرفوف في برج عاجيّ يقبل ويرفض، بل هو عقل من يتحدث ويقبل ويرفض، لا أكثر ولا أقلّ. فإسباغ صفة القدسية عليه بتجريده عن حامله أولا وبإطلاقه عن الموجودات ثانيا خطأ منهجي وقع فيه الكثيرون على مدار القرون. ومنهم، وأرى أنّ صاحبنا طه من هؤلاء رغم إنكاره لذاك، من أنكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى أنها تعارض القرآن، وأنّ المصدر الأصلي للتشريع والعقائد هو النصّ القرآني وحده، ولم يخطر لهم أن القرآن قد نص على ضرورة إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتداءاً في قوله تعالى: "ومن يطع الرسول فقد أطاع الله" إذ إن ذلك يقتضى طاعة مستقلة لله سبحانه وللرسول صلى الله عليه وسلم وإلا كانت الآية تقول أن من أطاع الرسول فيما أمر الله فقد أطاع الله! وهو معنى وفروغ منه لا يستدعى نصّاً قرآنياً لمن عنده عقل! ولم نرد إلى الإشارة إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي وأبي داود وأحمد: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ جَابِرٍ اللَّخْمِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " اَلاَ هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أريكته فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلاَلاً اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ وَاِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ " الرواية للترمذي. [4]

وهذا النهج في النظر إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهّ بما يُظن أنه معارض له من كتاب الله هو ما سنتحدث عنه فيما يأتي من مقال إن شاء الله تعالى.

(3)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير