الله وباللهِ أَي سأَلْتُك وأَقْسَمْتُ عليك ونَشَدْتُه نِشْدَةً ونِشْدَاناً ومُنَاشَدَةً وتَعْديَتُه إِلى مَفْعولينِ إِمَّا لأَنّه بمنزلةِ دَعَوْتُ حيث قالوا: نَشَدْتُكَ اللهَ وباللهِ كما قالوا: دَعَوْتُه زيداً وبِزَيدٍ إِلا أَنهم ضَمَّنُوه مَعنَى ذَكَّرْت قال: فأَمّا أَنْشَدْتُك بالله فخَطَأٌ وقال ابنُ الأَثير: النِّشْدَة مَصْدَرٌ وأَمَّا نِشْدَك فقيل إِنه حَذَفَ منها التاءَ وأَقامَهَا مُقَامَ الفِعْلِ وقيل هو بِناءٌ مُرْتَجَلٌ كقِعْدَك اللهَ وعَمْرَكَ اللهَ قال سِيبويهِ: قولُهم عَمْرَكَ الله وقِعْدَكَ اللهَ بمنزلةِ نِشْدَكَ اللهَ وإِن لم يُتَكَلَّم بِنِشْدَكَ ولكن زعَم الخَليلُ أَن هذَا تَمْثِيلٌ تُمثِّلَ به قال: ولعلَّ الرَّاوِيَ قد حَرَّفَ الرِّوَايَة عن نَنْشُدُكَ الله أَو أَرادَ سيبويه والخليل قِلَّةَ مجيئة في الكلام لا عَدَمَه أَو لم يَبْلُغُهَا مجيئُه في الحديث فحُذِف الفِعْلُ الذي هو أَنْشُدُك اللهَ ووُضِعَ المَصْدَرُ مَوْضِعَه مُضَافاً إِلى الكاف الذي كان مفعولاٍ أَوَّل كذا في اللسانِ. وفي التوشيح: نَشَدْتُك اللهَ ثُلاثِيًّا وغَلطَ مَن ادَّعَى فيه أَنه رُبَاعِيٌّ أَي أَسأَلُك باللهِ فضُمِّن مَعْنى أُذَكِّرُك بحذف الباءِ أَي أُذَكِّرُك رافِعاً نِشْدَتي أَي صَوْتِي هذا أَصْلُه ثم اسْتُعْمِل في كُلِّ مَطلوبٍ مُؤَكَّدٍ ولو بلا رَفْعٍ. ونقل شيخُنَا عن شَرْحِ الكافِيَة: الباءُ هي أَصْلُ الحُرُوف الخافِضَة للقَسَمِ ولها على غَيْرِهَا مَزَايَا منها استعمالُهَا في القَسَمِ الطَّلَبيِّ كقولهم في الاستعطاف: نَشَدْتُك اللهَ أَو باللهِ بمعنى ذَكَّرْتُك اللهَ مُسْتَحْلِفاً ومثله عَمَرْتُكَ اللهَ معنًى واستعمالاً إِلا أَن عَمَرْتُك مُسْتَغْنٍ عن الباءِ وأَصْلُ نَشَدْتُك اللهَ: طلَبْتُ مِنْكَ باللهِ وأَصلُ عَمَرْتُك اللهَ سَأَلْت اللهَ تَعْمِيرَك ثُمّ ضُمِّنا مَعَنَى استَحْلَفْت مَخْصُوصَيْنِ بالطَّلبِ والمُسْتَحْلَف عليه بَعْدَهما مُصدَّرٌ بِإِلاَّ أَو بِمَا بمعناها أَو باستفهامٍ أَو أَمْرٍ أَو نَهَىٍ قال شيخُنَا: في قوله وأَصْلُ نَشدْتُك اللهَ طَلَبْتُ إِيماءٌ إِلى أَنّه مأْخُوذٌ من نَشَدَ الضالَّةَ إِذا طَلَبَها وصَرَّح به غيرُه وفي المشارقِ للقَاضِي عِيَاض: أَصْلُ الإِنشاد رَفْعُ الصَّوْتِ ومنه إِنشاد
الشِّعْر وناشَدْتك اللهَ وناشَدْتُك معناه سأَلْتُك بالله وقيل: ذَكَّرْتُك بالله وقيل: هما مِمَّا تَقَدَّم أَي سأَلْتُ اللهَ بِرَفْعِ صَوْتِي ومثل هذا الآخِرِ قولُ الهَرَوِيّ مُقْتَصِراً عليه)
ـ[ابن وهب]ــــــــ[17 - 05 - 08, 02:41 ص]ـ
قال الإمام سيبويه
(
وسألت الخليل عن قولهم: أقسمت عليك إلاَّ فعلت ولّما فعلت، لم جاز هذا في هذا الموضع، وإنّما أقسمت ها هنا كقولك: والَّله؟ فقال: وجه الكلام لتفعلنَّ، هاهنا ولكنهم إنما أجازوا هذا لأنهم شبهوه بنشدتك الله، إذ كان فيه معنى الطلب. وسألته عن قوله إذا جاءت مبتدأةً ليس قبلها ما يحلف به؟ فقال: إنّما جاءت على نيَّة اليمين وإن لم يتكلَّم بالمحلوف به.
واعلم أنَّك إذا أخبرت عن غيرك أنَّه أكَّد على نفسه أو على غيره فالفعل يجري مجراه حيث حلفت أنت؛ وذلك قولك: أقسم ليفعلنَّ، واستحلفه ليفعلنّ، وحلف ليفعلنَّ ذلك، وأخذ عليه لا يفعل ذلك أبداً. وذاك أنَّه أعطاه من نفسه في هذا الموضع مثل ما أعطيت أنت من نفسك حين حلفت، كأنَّك قلت حين قلت أقسم ليفعلَّن قال واللَّه ليفعلنَّ، وحين قلت استحلفه ليفعلنَّ قال له واللَّه ليفعلنَّ.
ومثل ذلك قوله تعالى جدُّه: " وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاَّ الَّله "
وسألته: لِمَ لَم يجز والَّله تفعل يريدون بها معنى ستفعل؟ فقال: من قبل أنَّهم وضعوا تفعل ها هنا محذوفة منها لا، وإنما تجيء في معنى لا أفعل، فكرهوا أن تلتبس إحداهما بالأخرى. فقلت: فلم ألزمت النون آخر الكلمة؟ فقال: لكي لا يشبه قوله إنه ليفعل، لأنّ الرجل إذا قال هذا فإنما يخبر بفعلٍ واقع فيه الفاعل، كما ألزموا اللام: إن كان ليقول، مخافة أن يلتبس بما كان يقول ذاك، لأنّ إن تكون بمنزلة ما.
وسألته عن قوله عزّ وجل: " وإذ أخذ الَّله ميثاق النَّبييِّن لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمَّ جاءكم رسول مصدِّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنَّه " فقال: ما ههنا بمنزلة الّذي، ودخلتها اللام كما دخلت على إن حين قلت: واللّه لئن فعلت لأفعلنّ، واللام التي في ما كهذه التي في إن، واللام التي في الفعل كهذه التي في الفعل هنا.
ومثل هذه هذه اللام الأولى أن إذا قلت: والَّله أن لو فعلت لفعلت. وقال:
فأقسم أن لو التقينا وأنتم ... لكان لكم يوم من الشرِّ مظلم
فأن في لو بمنزلة اللام في ما، فأوقعت ها هنا لامين: لام للأول ولام للجواب، ولام الجواب هي التي يعتمد عليها القسم، فكذلك الامان في قوله عز وجل: " لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمَّ جاءكم رسول مصدَّق لما معكم لتؤمننَّ به ولتنصرنَّه " لام للأوّل وأخرى للجواب.
ومثل ذلك " لمن تبعك منهم لأملأنَّ " إنما دخلت اللام على نيّة اليمين. والَّله أعلم.)
¥