حول ما قيل في زواج النبي من آسية في الجنّة
ـ[وهج البراهين]ــــــــ[04 - 02 - 03, 08:35 ص]ـ
ثبت فضل آسية بنت مزاحم – زوجة فرعون – رضي الله عنها في الكتاب و السنّة، و من ذلك قوله تعالى: (وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم: 11].
و روى البخاري عَنْ أَبِى مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَ لَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ».
و كفى بهذا منقبةً و كرامةً لها في الدنيا و الآخرة.
أمّا عن تزويجها للنبيّ صلى الله عليه و سلّم في الجنّة، فلا أعلَم دليلاً صحيحاً على ذلك، و هذا أمر غيبي لا يؤخذ إلاّ بدليل ثابت من الكتاب و السنّة.
و مَن أثبت ذلك اعتمد على ما رُوي في تفسير قوله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَ أَبْكَارًا) [التحريم: 5].
و من ذلك قول القرطبي في تفسيره: (وَ قَالَ الْكَلْبِيّ: أَرَادَ بِالثَّيِّبِ مِثْل آسِيَة اِمْرَأَة فِرْعَوْن , وَ بِالْبِكْرِ مِثْل مَرْيَم ابْنَةَ عِمْرَان.
قُلْت: وَهَذَا إِنَّمَا يَمْشِي عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ: إِنَّ التَّبْدِيل وَعْد مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ لَوْ طَلَّقَهُنَّ فِي الدُّنْيَا زَوَّجَهُ فِي الْآخِرَة خَيْرًا مِنْهُنَّ. وَاَللَّه أَعْلَم).
و روى الطبراني في (الأوسط): (فوعده من الثيبات آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، و أخت نوح، و من الأبكار مريم ابنة عمران، و أخت موسى عليهما السلام)، و في إسناده طريق موسى بن جعفر بن أبي كثير عن عمه، قال الذهبي: (مجهول و خبره ساقط) [انظر: مجمع الفوائد، للهيثمي: 7/ 127].
و قال الحافظ ابن كثير في تفسيره [4/ 391]: (و ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مريم عليها السلام من طريق سويد بن سعيد … عن ابن عمر قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت خديجة فقال إن الله يقرئها السلام، و يبشرها ببيت في الجنة من قصب بعيد من اللهب، لا نصب فيه و لا صخب، من لؤلؤة جوفاء، بين بيت مريم بنت عمران و بيت آسية بنت مزاحم.
و من حديث أبي بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة، و هي في الموت فقال: ((يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام))، فقالت: يا رسول الله و هل تزوجت قبلي؟ قال: ((لا، و لكن الله زوجني مريم بنت عمران، و آسية امرأة فرعون، و كلثم أخت موسى)) ضعيف أيضاً، و قال أبو يعلى ثنا إبراهيم بن عرعرة، ثنا عبد النور بن عبد الله، ثنا يوسف بن شعيب، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَعَلمتَ أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران، و كلثم أخت موسى، و آسية امرأة فرعون؟))، فقلت: هنيئا لك يا رسول الله. و هذا أيضا ضعيف، و روي مرسلاً عن ابن أبي داود).
قلتُ: و ما دامت هذه الأحاديث ضعافاً كلَّها فلا تُبنى عليها عقيدة، و لا يثبُت بها عُلمٌ، و عليه فإنّ القول بتزويج النبيّ صلى الله عليه و سلّم من آسية بنت مزاحم زوجة فرعون في الجنّة غير ثابت، و لا حجّة لمُثبته، و الله أعلم.
كتبه
د. أحمد عبد الكريم نجيب
http://www.saaid.net/Doat/Najeeb/f64.htm