كنت أشرح مسألة الجهاد لرجل غير مسلم، وأخبرته أن النساء والأطفال لا يُقاتَلون، فاعترض بأنه يجوز عند المسلمين اغتصاب النساء في الحرب، وذكر أن في السنة جواز جماع السبايا، ثم ذكر الحديث الذي في صحيح مسلم: (عن ابن محيريز أنه قال: دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد الخدري، فسأله أبو صرمة فقال: يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يذكر العزل؟ فقال: نعم غزونا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- غزوة بلمصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء، فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا لا نسأله، فسألنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: "لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون". ففي هذا الحديث يذكر أبو سعيد أنه سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن العزل (وجماع السبايا) فأجاز له بقوله: "لا عليكم ألا تفعلوا، لا عليكم ألا تفعلوا، لا عليكم ألا تفعلوا". فكيف الجواب عن هذا؟!
الجواب
الحمد لله على أفضاله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأقول (وبالله التوفيق):
إن الإسلام لا يبيح اغتصاب النساء أبداً، وكيف يُشكُّ في ذلك؟! وجماع المرأة المحرمة على المسلم من أعظم الفواحش في الإسلام وهي فاحشة الزنا، وهي من أكبر الكبائر في الإسلام، ولو كانت برضى المرأة، فكيف إذا كان بإكراهها على ذلك؟!!
وأما نكاحُ ما ملكت اليمين، وهو المعروف في الشريعة الإسلامية بـ (التَّسَرِّي)، فهو طريقة مشروعة أباحها الله تعالى، وجعل لها نظاماً معيناً وأحكاماً خاصة، كما أباح الزواج بالحرائر وفق نظامٍ معين وأحكام خاصة، فالذي أباح الزواج بالحرائر ونظمه، أباح نكاح ما ملكت اليمين ونظمه، فما الإشكال في ذلك؟! وكلاهما حكمٌ لله الذي لا معقب لحكمه، ولا أحسن من هدايته، ولا سعادة للبشر بغير التزام أمره عز وجل.
ونكاح ما ملكت اليمين وفق شرع الله تعالى وتنظيمه ليس من الاغتصاب في شيء، إلا إن كان الزواج بالحرائر وفق شرع الله وتنظيمه من الاغتصاب، وهو ليس كذلك عند جميع البشر العقلاء، فكذلك يكون (التسري).
وإني لأعجب من مجتمع يستبيح السفاح بحجة الحرية، ويقنن للشذوذ الجنسي، ويسمح لقنواته الإعلامية بنشر الرذيلة والفواحش بأبشع صورة، ويعربد جنوده في بلدان العالم قتلاً واغتصاباً، وسلباً للحريات، واستعباداً للشعوب واستيلاءً على ثروات الأمم، وتدخلاً في خصوصيات قِيَمِ الحضارات، ثم مع هذا كُله يُسَمي شخص من هذا المجتمع (التسرِّي) اغتصاباً!!! إن كان جاهلاً يعلم، وإن كان عالماً بحقيقة التسري ومع ذلك يسميه اغتصاباً، فهو مكابر.
ومن أول ما أحب بيانه بخصوص التسرِّي الذي لا يقع إلا مع ملك اليمين أي مع (الاسترقاق): أن الإسلام لا يبيح استرقاق كل مخالف لنا في الدين، بل لا يبيح السبي إلا للمحاربين الكفار ومن معهم في دار الحرب من النساء والأطفال، أما غير المحاربين فلا سبي عليهم في الإسلام أصلاً، ولا يجوز لمسلم أن يتعدى على رجل أو امرأة إذا كان كافراً غير محارب للمسلمين، بأي نوع من أنواع الاعتداء كالقتل أو الضرب أو الاغتصاب للنساء، وهذا أول فرق بين مطلق الاغتصاب وبين التسري في الإسلام.
وثانياً: أن من تُسبى من النساء لا تكون متعةً مشاعةً لكل أحد من المسلمين، بل هي لمن تقع في سهمه من المسلمين فقط، فهي رقيقة مملوكة لسيّد واحد منهم، لا يجوز له أن يُجبرها على معاشرة غيره من المسلمين.
وثالثاً: إذا سُبي الرجل مع زوجه، ووقعا تحت ملك رجل واحد من المسلمين، فيبقى زواجهما على ما هو عليه، لا يجوز لمالكها معاشرتها، إلا أن يفرق بينهما ببيع أحدهما لمالك آخر، فيكون هذا كالطلاق، فيحق لمالك المسبية أن يعاشرها بعد الاستبراء؛ للتأكد من عدم حصول حملٍ من زوجها قبل معاشرة مالكها لها.
رابعاً: أن المَسْبِيِّة إذا عاشرها مالكها فحملت منه وولدت، لا يجوز بيعها، لأنه يؤدي إلى التفريق بينها وبين ولدها، وتُصبح حرة بوفاة مالكها.
إذن فالمسألة لا يصح أن تصور بأنها اغتصاب، وإنما هو ملك يمين واسترقاق له أحكامه وآدابه.
¥