تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من مهارات الخطيب ((في الأهواء والميول))]

ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[23 - 05 - 08, 04:44 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين

اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

الشيخ علي بن محفوظ

قد عرفت أن مقصد الخطيب: استمالة النفوس إلى ما يريد منها بإثارة عواطفها، وأن ذلك يكون بمعرفة الأهواء، وطرق تهييجها أو تسكينها، ولما كان الإنسان مركبًا من روح وجسم - لم يكفِ الخطيب أن يوجه كلامه إلى القوى العقلية فقط؛ بل عليه أيضًا أن يثير من السامع عواطفه وميوله التي تدفع الإنسان إلى طلب ما يرغبه، أو النفور والإعراض عما يرهبه.

والميول الغريزية هي المسماة بالأهواء، وأهواء النفس الشهوية هي: المحبة والبغض، والرغبة والنفور، والفرح والحزن، وأهواء النفس الغضبية: الرجاء والقنوط، والشجاعة والخوف، والحلم والغضب.

فالمحبة: حركة في النفس تميل بها إلى الشيء بمقدار شعورها بما فيه من خير ولذة، وضدها البغض، ويتمكن الخطيب من تحريك عاطفة المحبة في القلوب بأمرين:

1 - بيان محاسن المحبوب الجميلة وسجاياه الكريمة.

2 - أن يذكر أعماله الجليلة ومآثره الحميدة، هذا إن كان إنسانًا وإلا ذكر ما فيه من خير ونفع وفائدة ومزية، ومثيرات البغض أضداد مثيرات الحب.

والرغبة: حركة في النفس تحملها على إرادة لذة مأمولة حسية؛ كلذات الحواس، وعقلية كلذة العلم والفضيلة، ويتوسل الخطيب إلى إثارة الرغبة في النفوس بتعظيم المرغب فيه، وتزيينه في عيون السامعين، ببيان الفوائد التي تترتب عليه وحاجة الناس إليه، وذكر قرب مناله، وسهولة دركه؛ فالذي يرغب في مثل الزواج لا بد له من بيان فوائده الدينية والاجتماعية، وحاجة البشر إليه، وسهولته على كل مقتصد معتدل في أمره، والذي يرغب في الصيام يجب عليه أن يذكر آثاره في تهذيب النفس، وصحة البدن والرحمة بالضعفاء.

وللخطيب في مقام الترغيب أن يسلك طريق المقابلة بين المنافع المترتبة على عمل الأمر المرغب فيه، والمضار الناتجة عن إهماله، أو تفضيل بعض الأمور المرغوب فيها على غيرها كالأمور العقلية على الحسية من الكمالات النفسية والبدنيَّة مثلاً.

والنفور: حركة في النفس تحمل الإنسان على العدول عن شر يضره، والسعي في الفرار منه والإعراض عنه، وما يثير النفور ضد ما يثير الرغبة بأن يقبح للنفوس ما أراد التنفير منه بذكر المضار التي تنجم عنه مع الاستغناء عنه، وعدم الحاجة إليه.

والفرح: لذة في القلب لنيل المشتهى، وأصدق وسيلة لتحريك شاعرة الفرح في القلوب أمور ثلاثة:

الأول: صفة الفرح الناشئ عن إصابة الخير المقصود كالظفر بالعدو.

الثاني: ذكر ما لحق النفوس من الشدائد والآلام قبل إدراكه.

الثالث: الإطناب في ذكر النعمة وبيان نتائجها الحسنة وعواقبها الجميلة بعد طول انتظارها، أو اليأس من الحصول عليها.

والحزن: ألم النفس لوقوع مكروه أو فوات محبوب في الماضي، ومن أقوى مثيرات الحزن - إن دعت إليها حاجة - بسط الكلام في هول الخطب، وعظم المصاب، وشدة المحنة في نحو حريق أو غرق نزل بقوم، ثم تعديد مزايا المفقود وبيان جدارته بالجزع والحزن عليه، مع ظهور مَخايل الانفعال في قوله، وملامح وجهه حتى ينتقل تأثره إلى قلوب السامعين.

والرجاء في اللغة: الأمل، وفي الاصطلاح: تعلق القلب بحصول محبوب في المستقبل مع الأخذ في الأسباب، والذي يبعث الرجاء في القلوب أمران:

الأول: أن يصف الخطيب عظم الخير المبتغى كي يحببه إلى النفوس ويحملها على طلبه بالسعي في أسبابه المشروعة المعقولة.

الثاني: أن يبين أن الأمر المرجو ليس عزيز المطلب، ولا بعيد المنال؛ لتوفر الوسائل الصادقة والأسباب المشروعة المؤدية إلى إدراكه؛ كالإيمان الصحيح، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة في الظفر بحسن الخاتمة، وكالجنود المخلصين والعدة التامة، والأقوات الموفورة، وحسن القيادة، وضعف العدو، والثقة بحول الله ونصره، وما إلى ذلك في مثل الجهاد.

ومِمَّا يُثيرُ القنوط في النفوس إذا أراد أن يَصْرِفَهُم عن أمر يُريدونَه أن يبيِّنَ الخطيب صعوبةَ الأَمْرِ الَّذِي يتطلَّعونَ إلَيْهِ، وأنه معجز الدرك، تحول دونه مخاطر ومشاقُّ لا يقتحمها إلا الغبي الجاهل الباحث عن حتفه بظلفه؛ وبذلك يحلُّ اليأس محلَّ الرجاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير