تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحلم: سكون النفس عند هيجان الغضب، وحدَّه ابن سينا بأنه: الإمساك عن المبادرة إلى قضاء الغضب فيمن يجنى عليه جناية يصل مكروهها إليه، وقال يحيى بن عدي: "إنه ترك الانتقام عند شدة الغضب مع القدرة على ذلك"، ويسمى هذا كرمًا، وصفحًا، وعفوًا، وتجاوزًا، واحتمالا، ً وكظم غيظ.

والحلم محمود ما لم يؤد إلى ثلم جاه، أو فساد سياسة، وهو بالملوك والرؤساء أحسن؛ لأنهم أقدر على الانتقام، وأقرب الوسائل لإطفاء نار الغضب وكظم الغيظ أمور:

الأول: الإقرار بالذنب، فإنه كما قيل: الاعتراف يزول به الاقتراف، قال ابن حازم:

إِذَا مَا امْرُؤٌ مِنْ ذَنْبِهِ جَاءَ تَائِبًا إِلَيْكَ فَلَمْ تَغْفِرْ لَهُ فَلَكَ الذَّنْبُ

الثاني: الإخبات والخضوع إذا كان الجاني دون المستضعف رتبة وقدرًا، أو كان ذنبه عظيمًا، فعليه أن يتذلل ويستكين لذوي القدرة؛ كقول إبراهيم بن المهدي للمأمون بعد عصيانه عليه:

أَذْنَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا وَأَنْتَ لِلْعَفْوِ أَهْلُ

فَإِنْ عَفَوْتَ فَمَنٌّ وَإِنْ جَزَيْتَ فَعَدْلُ

الثالث: ذكر الحلم وفضل كظم الغيظ على التشفي والانتقام بما جاء في ذلك من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح وأقوال الحكماء.

الرابع: وصف ما يجنيه الحليم من الشكر، والثناء والذكرى الخالدة.

الخامس: حسن تبرؤ الجاني من ذنبه؛ كأن يذكر خلوص مودته وحسن نيته في صنيعه، وأنه لم يأت ما يأتي إلا سهوًا، ويقرن كل ذلك بالأسف على تغيظ المعاتب، وإبداء صادق الرغبة في الرجوع عما ساءه.

السادس: تحري الظروف المناسبة والأحوال الملائمة كيوم عيد ووقت سرور، ومجلس أنس مع الاستعانة بمن يشفعون له من ذوي المنزلة بهذه الوسائل يخمد الخطيب نار الغضب، ويحرك عاطفة الحلم، ويدعو إلى الصفح والعفو.

ومن قبيل الحلم الرحمة، وهي: رقة في القلب تقتضي العطف على من حل به شيء من المكاره والآلام، ويتوسَّل الخطيب إلى تحريك عاطفة الرحمة في القلوب بأمور منها:

بسط الكلام فيما لحق المصاب من البلايا والخطوب، مع ذكر الأحوال التي تزيدها فجعة وتأثيرًا كشدتها وفظاعتها، ولا سيما إذا كان المبتلى من ذوي الحسب والنسب، أو سيد قومه فأخنى عليه الدهر.

ومنها: أن يأتِي بشخص المصاب أمام السامعين، أو يحضر بعض آثاره يعرضها على المسترحمين فتعمل رؤية ذلك في قلوبِهم، كما لو أراد حمل القلوب على الرحمة بمسكين بائس أو يتيم ضائع فيحضره، أو يظهر ثيابه البالية، وضعفه وعجزه.

ومنها: أن يبين أن من طرأت عليه المحن من ذوي الأخلاق الكريمة، والأعمال النافعة.

ومما يفيد كثيرًا في تحريك الأهواء وإثارة العواطف على الإطلاق، بعد تمام الإحاطة بأطراف الموضوع: أن يكون الخطيب عند التأدية متأثرًا بما يقول تأثرًا صحيحًا باديًا ذلك في لهجته وملامح وجهه، فإن الغاية من الخطابة أن ينتقل ما في قلبه من الإحساسات إلى قلوب السامعين، وبذلك يبلغ منها ما يريد، وهذا معنَى قَوْلِ أحَدِ الأدباء: "إن الأهواء والعواطف هي الخطيب في الجماهير"، وقوله: "السر كل السر أن يكون الإنسانُ مُلْتَهِبًا بالعواطف".

سَمِع الحُسَيْن متكلِّمًا يَعِظُ النَّاس، فلم تقع موعظته من قلبه بمكان؛ فقال: "يا هذا إن بقلبك لشرًّا، أو بقلبي"؛ يريد أن الكلام الخالي من العاطفة والشعور قد يكون مفعمًا بالحقائق متين الأسلوب، ولا يجد مع ذلك إلى النفوس سبيلاً! فالكلام لا يكون أسرع نفاذًا في القلوب إلا إذا كان صادرًا عن شعور صحيح، وإحساس صادق،، وبالله تعالى التوفيق.

الرابط ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2746)

ـ[علي الفضلي]ــــــــ[24 - 05 - 08, 03:42 م]ـ

بارك الله فيك، كلام جميل ومتين.

رحم الله تعالى الشيخ عليا.

ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[16 - 04 - 09, 11:00 ص]ـ

آمين آمين ,, بارك الله فيك يا أستاذي الفاضل ..

ونفعك ونفع بك ..

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير