- قضية فلسطين والمسجد الأقصى وما أدراكَ ماهيه، وقعت منذ البَدْء بين أيدي أَثيمة اتَّجرت بها، وتلاعبتْ بمبادئها، ومارَست الخيانةَ الجلية في تناوُلها والخوض فيها، بينما الطرفُ الآخر كان جاداً يقظا، كلُّه إيمان وجدٌّ ونشاط، بنبوآتهم المزَّيفة، وخرافاتهم التليدة والحديثة، وعنصريتهم الفريدة التي فّرضوها على العالَم، وتمكنوا من قلب الموازين، ومَسخ المفاهيم، وتكذيب الحقائق، وبرعوا في التدليس والتلبيس والدس بين سمع العالَم وبصَرهِ، وسلكوا لذلك أقرب الطرق وأضمنَها لتحقيق المآرب والأهدافِ كيفما كانت، إلاَ وهي الطريقُ الاقتصادية، فسَعوا جادّين لاحتجاز المال، والسيطرة على سُبُله، مؤمنين بأن عالَم النفاق والكَذب والأطماع يُعتبر أرخصَ السّلع في دنيا القِيَم، وهكذا انفردوا في هذا العالَم بالتجارة في الذِّمَم، ومسخ الأخلاقِ، والعبث بالمبادئ لصالحهم، وقد عِشنا قبل ظهور إسرائيل زمناَ لا نسمع لليهود نَأمَةً ولا حركةً، والمسلمون غارقون في أوحال الثالوث المدمر: الجهلِ والفقرِ والمرضِ، واليهود يتحركون هنا وهناك لانتهاز الفُرصة، وما هي إلا سنوات حتى كان وعدُ بِلفُور، وقيامُ إسرائيل على أرض (الميعاد)، وعلى الإسلام والعَرب والفلسطينيين العَفاء، وقد مرّ للآن على قيام دولتهم قرابةُ نصف قرن والحالُ هي الحالَ، هُنا غفلةٌ وخيانة وخِذلانٌ بل وتآمرٌ، وهناك عملٌ وجِدٌّ ونشاط بشكل أكثر خُبثاً وضَراوةً مِن ذي قبل، لأن القضية أشرفت على النهاية، والمسجدُ الأقصى يحتضِر ولا معتصِمَ لهُ ولا صلاحَ الدين، ونبوآت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تتجلى أكثر من ذي قبل في غُثائية المسلمين وهُم مليار ونصف يجلّلهم الذل والصغار المسلط عليهم بسبب حِرصهم على الدنيا والحكم، وإخلادِهم إلى الراحة، وتَبلُّد شعورِهم، ومُخالفةِ أمر اللهَ ورسوله، والحلُّ بأيديهم، والطريقُ معبَّد مسلوكٌ، والداعي مازال في قلب كل مؤمن، ولكنَّ الداء كلَّ الداء إنما يستشري عند فساد الرأس، والإعراضُ عن الله سببُ كلِّ شَر، وصدق الله عزوجل في قوله:: (وكذلك نولي بعضَ الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبُون).
- تحت ضوء خبرتكم الطويلة وحياتكم المديدة (أطالها الله في طاعته) ماذا يمكن أن يقول الشيخ محمد بو خبزة بعد عبارة: علمتني الحياة؟
- علمتني الحياةُ الكثير، وأعظم ما في هذا الكثير: الاعتمادُ على النفس بعدَ الله تعالى، وقديماً قالوا: ما حكَّ جِلْدك مثلُ ظُفرك، وقال الطغرائي الحكيم:
وإنما رَجلُ الدنيا وواحدُها * من لا يُعوّل في الدنيا على رَجل
على أن هذا المبدأ الأساسي للحياة الحرة، مبدأ قرآني خالدٌ، ذكره الله تعالى في كتابه وأكّد عليه، وأشار إلى أنه مبدأ عامٌّ أوحى به إلى أنبيائه ورسله، فقال:) أولَم يُنبأ بما في صحُف موسَى* وإبراهيمَ الذي وفَّى* أن لا تزر وازرةٌ وزْرَ أُخرى * وأنَّ ليسَ للإنسانِ إلاّ ما سعى* وأن سعيَه سوفَ يُرى* ثم يُجزاهُ الجزاء الأوفَى (، وقال تعالى:) كل امرئ بما كسَب رهينٌ (، وقال:) .. لها ما كسَبتْ وعليها ما اكتسبَتْ (، ومن استشعر هذا المعنى بذَل وُسعَهُ فيما ينفعُه، وتجنَّبَ ما يضرُّه، وبمقدار الحرص على هذا وتحقيقه يكون نجاحُ المرء في دنياه وأُخراه، والتّواني والكَسَلُ والعَجزَ حليف الفشلِ والخُسران، والله المستعان.
- كلمة أخيرة نرجو من الشيخ بوخبزة أن يصوغها بمشاعره الدافقة تجاه العالم الإسلامي؛ ماذا تقول للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؟
- وأخيراً أقول لإخواني المسلمين سواء من وقفَ على هذه الكلمات أو استمع إليها، أو من بَلَغ: الدّين النّصيحة وها أنا أُمحِضُكم النصحَ، وأناأولى به منكم، وقد وقفت طويلاً عند عنوان كتاب (ماذا خسر العالمُ بانحطاط المسلمين) عند صدوره لأبي الحسن الندوي، لأننا معشر المسلمين كنا خير أمّة أُخرجت للناس، اختارناالله - وهو الفاعل المختار – لحمل أعظمِ أمانةٍ للبشرية، وهي الرسالةالخاتمة، والدينُ المختار، والكتابُ الخالد الذي جمعَ بين دفتيْه خُلاصة ما سبقَه من وحي الله لأنبيائه ورُسُله.
وقَصَر الله الفلاحَ والنّجاةَ والفوزَ عليه، فمن التمَسَ هذا من غيره ضلَّ وغَوَى، وفي عقودٍ معدودة من السنين مسحَ نفوذُه ثلثي العالَم القديم، وأضاءت لنوره المشارقُ والمغارب، وأخرج الله به الناسَ من الظلمات إلى النّور، ومِن جَور الأديان إلى عَدل الإسلام، ومن عبادة العَباد إلى عبادة الله وحده، ولو أن ما أصاب ويصيب الإسلامَ والمسلمين من كوارثَ ومصائب أصاب عُشُُه غيرَه لاضمحلَّ وَهَوَى، ولكنهُ النظام الإلهي تكفل الله بحفظه، ووَعَد بسلامته واستمراره حتى يعُم العالَم نورُه، وينحسِر أمامَ فَجره دّيْجورُهُ، وهذا وعدٌ إلاهي، ولن يُخلِف الله وعدَه، أكَّده رسولُه صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث. (هُو الذي أرسلَ رسولَه بالهُدى ودين الحق ليُظهرهُ على الدين كلِّه ولو كرهَ المشركون)، (يريدون لِيطفئوا نور الله بأفواههم ويأبَى الله إلا أن يُتمّ نورَه ولو كره الكافرون)، وقال عليه الصلاة والسلام:" ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغُ الليلُ والنهار ".
فيا إخوتاه، أنتم أمل الإنسانية المتهالكة، وعندكم دواؤها الناجعُ، وبأيديكم مشاعلُ الخير الهاديةُ في مسارب الحياة المكتسحةُ لظلماتها المتراكمة، والمهددة بالبوار، فَكفَى شروداً عن الله، وخروجاً عن هديه، فما أشبه حالَكم بحال من قال فيهم الشاعر:
كالبِيد في البَيداء يقتُلُها الطّما * والماءُ فوق ظُهورها محمولُ
فالوحيَ الوحيَ، العجلَ العجلَ
(ربنا لا تَجعلْنا فتنةً للذين كَفَروا واغفِرْ لنا ربّنَا إنّك على كل شيءٍ قديرٌ).
7/ 7/2001
الأحد: 26/ 01/2003