تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا فالآية تشوق إلى شيء لم يكن مثله في الدنيا على الإطلاق، وقوله سبحانه: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}، فلا تعلم نفس أيّ نفس؛ فهي نكرة عامة أيضا، حيث لم يستثن سبحانه في الآية نفسا واحدة من كل الأنفس التى خلقها، وتأتي كلمة {مَا أُخْفِيَ لَهُمْ}، لتؤكد أن ما سيبهجهم وتقر به أعينهم، لابد أن يكون مفاجأة مفرحة أحكم إخفاؤها، وإلا لو استثنينا أنفسا علمت، أو إخفاء ليس كليا، لخولفت الآية لفظا ومعنى {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ}، وتبعا لعلم البعض وعدم إحكام الإخفاء تكون قد انتفت المسرة ولن تقر الأعين، تم ينتقل النقليون إلى الكلام عن عقاب الآخرة، فيقرؤون علينا أربع آيات، ثم يعلقون عليها تعليق أولى العلم، والآيات هي:

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ}. . {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ}. . {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ}. . {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}.

فعن الآية الأولى سألوا أي بلاء في الدنيا توضع له في دية تقدر بذهب يملأ الأرض؟ إن القتل وهو قمة البلاء في دنيانا - فقاتل النفس كأنما قتل الناس جميعا- ديته مائة جمل، أو عدة آلاف من العملات، مهما كثر عددها فقدرها بضع أواق من الذهب، فكيف بملء الأرض ذهبا؟ لابد أن الداهية في الآخرة فوق التصور، والآيات الثلاث التاليات معناها واحد كرر لنظل معه في عجب لا ينتهي، لأنها لم تتكلم عن ملء الأرض ذهبا فقط، بل ما في الأرض جميعا، كل ما خلق فيها، من إنس وجن وكنوز وحيوان ونبات وجماد، بل ومثل ذلك، والمثلية هنا ليست مثلية الضعف، وإنما المثلية المتكررة مهما بلغت، فما دام لم يقبل الأصل، فلا يقبل المثل وإن تضاعف؛ لغنى الله عن كل ذلك، {افْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، وسوء العذاب تعبير مفزع أخفى كيفه ووضح فزعه، من ضخامة الفداء المقدر بمقادير الأرض وأمثالها، ومن الآن رفض.

ونهاية هذه الآية هو الفصل لما فصلناه، عندما ختمها سبحانه بقوله: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} عذاب لم يدخل أبدا في حسابهم إلى أن بدا لهم؛ فالحصيلة العلمية لهذه المقدمة عن توضيح كلمة الغيب أن غيب الله في دنياه يجوز أن يظهر وفيما يظهر كفاية لمن يزجر، وغيب الآخرة كله مخبأ، يفاجأ به الناجي مجبورا، ويفاجأ به الغاوي محسورا {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}.

نعود إلى آية المفاتيح، لنأخذ منها صدرها ننير به صدورنا {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ} هذه العبارة الكريمة هي الفرا الذي فيه صيد المحاضرة، والذي نزلت عليه هذه العبارة - صلى الله عليه وسلم - هو الذي فسرها بنفسه، في حديثه الصحيح المشهور، لما فسرها بآية أخرى بقوله: "مفتاح الغيب خمسة، وقرأ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}. وقبل أن نتحدث عن كل مفتاح منها منفردا نتعرض لأمر سردها في الآية، هل هو مجرد حصر الخمسة المطلوبة ليعرف عددها ويعلم أمرها؟ أم أنها وضعت في أمكنتها بالترتيب الذي لابد أن توضع فيه؟ والأخيرة بالإعجاز البياني للقرآن أليق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير