وأما قوله في الحديث كان بين إسلامها وإسلامه ست سنين فوهم إنما أراد بين هجرتها فإن قيل وعلى ذلك فالعدة تنقضي في هذه المدة فكيف لم يجدد نكاحها قيل تحريم على المشركين إنما نزل بعد صلح الحديبية لا قبل ذلك فلم ينفسخ النكاح في المدة لعدم شرعية هذا الحكم فيها ولما نزل تحريمهن على المشركين أسلم أبو فردت عليه وأما مراعاة زمن العدة فلا دليل عليه من نص ولا إجماع
وقد ذكر حماد بن سلمة عن عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب الله عنه قال في الزوجين الكافرين يسلم أحدهما هو أملك ببضعها ما دامت في دار وذكر سفيان بن عيينة عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن علي هو أحق بها ما لم يخرج من مصرها
وذكر ابن أبي شيبة عن معتمر بن سليمان عن معمر عن الزهري إن أسلمت ولم يسلم زوجها على نكاحهما إلا أن يفرق بينهما سلطان
ولا يعرف اعتبار العدة في شيء من الأحاديث ولا كان النبي يسأل المرأة هل انقضت أم لا ولا ريب أن الإسلام لو كان بمجرده فرقة لم تكن فرقة رجعية بل بائنة أثر للعدة في بقاء النكاح وإنما أثرها في منع نكاحها للغير فلو كان الإسلام نجز الفرقة بينهما لم يكن أحق بها في العدة ولكن الذي دل عليه حكمه أن النكاح فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته وإن انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت أحبت انتظرته فإن أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح ولا نعلم أحدا جدد للإسلام نكاحه ألبتة بل كان الواقع أحد أمرين إما افتراقهما غيره وإما بقاؤه عليه وإن تأخر إسلامها أو إسلامه وإما تنجيز الفرقة أو العدة فلا نعلم أن رسول الله قضى بواحدة منهما مع كثرة من أسلم في عهده الرجال وأزواجهن وقرب إسلام أحد الزوجين من الآخر وبعده منه ولولا إقراره على نكاحهما وإن تأخر إسلام أحدهما عن الآخر بعد صلح الحديبية وزمن الفتح بتعجيل الفرقة بالإسلام من غير اعتبار عدة لقوله تعالى لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وقوله ولا تمسكوا بعصم الكوافر الممتحنة وأن سبب الفرقة وكل ما كان سببا للفرقة تعقبه الفرقة كالرضاع والخلع والطلاق اختيار الخلال وأبي بكر صاحبه وابن المنذر وابن حزم وهو مذهب الحسن وطاووس وقتادة والحكم قال ابن حزم وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجابر بن وابن عباس وبه قال حماد بن زيد والحكم بن عتيبة وسعيد بن جبير وعمر بن عبد وعدي بن عدي الكندي والشعبي وغيرهم قلت وهو أحد الروايتين عن أحمد ولكن أنزل عليه قوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكواف) ر وقوله (لاهن حل لهم ولا هم لهن) لم يحكم بتعجيل الفرقة فروى مالك في موطئه عن ابن شهاب قال كان بين صفوان بن أمية وبين إسلام امرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر أسلمت الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر ثم أسلم ولم يفرق النبي واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح وقال ابن عبد البر وشهرة هذا الحديث أقوى إسناده وقال ابن شهاب أسلمت أم حكيم يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة حتى أتى اليمن فدعته إلى فأسلم وقدم فبايع النبي فبقيا على نكاحهما
ومن المعلوم يقينا أن أبا سفيان بن حرب خرج فأسلم عام الفتح دخول النبي مكة ولم تسلم هند امرأته حتى فتح رسول الله مكة فبقيا على وأسلم حكيم بن حزام قبل امرأته وخرج أبو سفيان بن الحارث وعبدالله بن أبي عام الفتح فلقيا النبي بالأبواء فأسلما قبل منكوحتيهما فبقيا على نكاحهما يعلم أن رسول الله فرق بين أحد ممن أسلم وبين امرأته وجواب من أجاب بتجديد نكاح من أسلم في غاية البطلان ومن القول على رسول الله علم واتفاق الزوجين في التلفظ بكلمة الإسلام معا في لحظة واحدة معلوم الإنتفاء
ويلي هذا القول مذهب من يقف الفرقة على انقضاء العدة مع ما فيه إذ فيه آثار وإن منقطعة ولو صحت لم يجز القول بغيرها قال ابن شبرمة كان الناس على عهد رسول يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة فهي امرأته وإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما وقد تقدم قول الترمذي في الفصل وما حكاه ابن حزم عن عمر رضي الله عنه فما أدري من أين حكاه والمعروف خلافه
فإنه ثبت عنه من طريق حماد بن سلمة عن أيوب وقتادة كلاهما عن ابن سيرين عبدالله بن يزيد الخطمي أن نصرانيا أسلمت امرأته فخيرها عمر بن الخطاب رضي الله إن شاءت فارقته وإن شاءت أقامت عليه
((ومعلوم بالضرورة أنه إنما خيرها بين إلى أن يسلم فتكون زوجته كما هي أو تفارقه))
وكذلك صح عنه أن نصرانيا أسلمت امراته فقال عمر رضي الله عنه إن أسلم فهي امرأته وإن لم يسلم فرق بينهما فلم يسلم بينهما قال لعبادة بن النعمان التغلبي وقد أسلمت امرأته إما أن تسلم وإلا نزعتها فأبى فنزعها منه
فهذه الآثار صريحة في خلاف ما حكاه أبو محمد ابن حزم عنه وهو حكاها وجعلها روايات وإنما تمسك أبو محمد بآثار فيها أن عمر وابن عباس وجابرا فرقوا بين الرجل وبين بالإسلام وهي آثار مجملة ليست بصريحة في تعجيل التفرقة ولو صحت فقد صح عن ما حكيناه وعن علي ما تقدم وبالله التوفيق) انتهى.
¥