هذا وقد نقل بعض العلماء عن مصنف أبي بكر ابن أبي شيبة الحافظ المتوفى سنة (235) أن الحديث قد جاء بلفظ ((إذا حضر العشاء وحضر العشاء فابدأوا بالعشاء)) وليس ذلك بصحيح أصلاً أي أنَّ من نقل عن ابن أبي شيبة أنه روى الحديث باللفظ المتداول على ألسنة الناس فهو غالط ولا أصل له في مصنف ابن أبي شيبة،ولا في غيره من المؤلفات المسندة،قال السيوطي: ووهم من عزاه لمصنف ابن أبي شيبة،قال الملا علي القاري في ((الأسرار المرفوعة)) ما معناه: وقد سبق العسقلاني السيوطي بهذا الكلام،حيث قال في فتح الباري:لفظ ابن أبي شيبة ((وحضرت الصلاة)) كما أخرجه في مسنده لا أنه في المصنف بلفظ ((حضرت العشاء)) كما توهم.
وقد نقل السخاوي في ((المقاصد)) عن شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني أنه عقّب على كلام شيخه العراقي الذي قال عن حديث ((إذا حضر العشاء والعشاء فابدأوا بالعشاء)) أنه لا أصل لها في كتب الحديث بقوله: [لكن رأيت بخط الحافظ قطب الدين (يعني الحلبي) أنّ ابن أبي شيبة أخرجه عن إسماعيل يعني ابن علية عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن رافع عن أم سلمة – رضي الله عنها – مرفوعا " إذا حضر العشاء وحضرت العشاء، فابدأوا بالعشاء "، فإن كان ضبطه فذاك، وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل (أي ابن علية الذي رواه عن ابن إسحاق) بلفظ: " وحضرت العشاء " قلت (علي): ((كذا نقله الشيخ بلفظ "العشاء" وهذا وهم من الشيخ محمد، فهو في المقاصد على الجادة بلفظ " الصلاة")) اهـ.، ثم قال ابن حجر: ثم راجعت مصنف ابن أبي شيبة، فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد] اهـ من المقاصد.، وبناء على ذلك فلعل الحلبي توهم وهما أن ابن أبي شيبة رواه باللفظ المشهور عند الناس الذي لا أصل له بهذا اللفظ في كتب الحديث، أو لعله اعتمد على نسخة من نسخ المصنف غير صحيحة، ومهما يكن من شيء فالذي يكون الاعتماد عليه هو كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني، فهو أرجح من كلام الحلبي – رحمه الله تعالى – عند تعارض النقلين عن مصنف ابن أبي شيبة – رحمه الله تعالى -.
إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام
والخلاصة لما جاء في كلامي هذا ينحصر فيما يلي:
[1] لا وجود لهذا الحديث بلفظ " إذا حضر العشاء، وحضرت العشاء فابدأوا بالعشاء " في كتب السنة كما قال العراقي، وتابعه من جاء بعده من الحفاظ، وعلى رأسهم تلميذه العسقلاني، ثم تلميذ تلميذه السخاوي، ثم تلميذ السخاوي الديبع، كما تابعه أيضا السيوطي، والعجلوني، وابن طاهر الفتني، والقاري، والشوكاني وغيرهم.
[2] قد ورد في البخاري ومسلم بلفظ أعم وأشمل وهو حديث " إذا حضر العشاء، وأقيمت الصلاة فابدأوا العشاء "، لأن لفظة الصلاة ها هنا تعم المغرب والعشاء.
[3] قد ورد في الصحيح حديث آخر دال على هذا المعنى بلفظ أعم من الحديث السابق، وهو حديث " لا صلاة بحضرة طعام "، الذي شمل جميع الفرائض والسنن والنوافل، كما شمل طعام العشاء وغيره.
[4] من روى عن مصنف ابن أبي شيبة أنه أخرج الحديث بلفظ " إذا حضر العشاء، وحضرت العشاء فابدأوا بالعشاء " فهو غالط، فهذا الحديث بهذا اللفظ المسجوع لا وجود له في مصنف ابن أبي شيبة أصلا.
والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب].
انتهى هذا الجواب الماتع من " رسائل وفتاوى حديثية "
للعلامة القاضي الفقيه:
محمد بن إسماعيل العمراني.
ـ[العوضي]ــــــــ[06 - 06 - 08, 08:44 م]ـ
وبارك الله فيك أخي الكريم على هذا النقل الطيب
وبارك الله في الشيخ العمراني وشفاه فلقد علمت بأنه في الأردن للعلاج
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[06 - 06 - 08, 08:45 م]ـ
ترجمة مختصرة للعلامة محمد العمراني (كما ترجم له بعض تلامذته).
هو محمد بن إسماعيل بن محمد بن محمد بن علي بن حسين بن صالح بن شايع العَمْراني.
وُلد في ربيع الأول سنة (1340هـ) الموافق (1922) في مدينة "صنعاء".
نشأ يتيما، إذْ تُوفِّي والده سنة (1344هـ) وعمره لم يتجاوز الرابعة، وكان أبوه ذا ديانة، وجده كان من كبار علماء اليمن، لا سيما في الحديث، وقد ترجم له-أعني الجد- مؤلف "نزهة النظر في تراجم رجال القرن الرابع عشر من هجرة سيد البشر".
وكان أخوه-أي أخو الجد- عبد الرحمن بن محمد من كبار علماء اليمن، وقد أخذ الأخوان المذكوران عن العلامة الشوكاني في آخر عمره.
وأبو جده القاضي محمد بن علي العمراني أعلم من ولديه، وقد أخذ عن الشوكاني في أكثر الفنون، وصحبه أكثر من ثلاثين عاما، وله مؤلفات وترجم له جماعة كشيخه الشوكاني في " البدر الطالع"، والزركلي في " الأعلام" وغيرهما.
والعلامة محمد العمراني صاحب أسانيد عالية، وأقرب سند له إلى العلامة الشوكاني – رحمه الله تعالى –
وهو ما يرويه عن القاضي عبد الله حُميد عن شيخه العلامة علي السدمي عن شيخه (جد محمد بن إسماعيل) محمد بن محمد العمراني عن شيخه العلامة الإمام الشوكاني جميع ما حواه مؤلَّف الشوكاني، وهو " إتحاف الأكابر في مسندات الدفاتر".وله إسنادان قريبان آخران إلى الإمام الشوكاني.
وله أسانيد قريبة إلى العلامة الصنعاني صاحب المؤلفات المشهورة.
والحمد لله رب العالمين.
وقد قصّرت في العنوان، فليت الإخوة المشرفين يزيدون بعد كلمة (شيخ) كلمة (العلامة) مشكورين.
¥