تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الإمام ابن تيمية: " فالأسباب التي من العباد بل ومن غيرهم ليست موجِبات لا لأمر الدنيا ولا لأمر الآخرة بل قد يكون لا بد منها ومن أمور أخرى من فضل الله ورحمته خارجة عن قدرة العبد، وما ثَمَّ موجِبٌ إلا مشيئة الله، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وكل ذلك قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معروف عند مَنْ نَوَّرَ الله بصيرته " (الاستقامة 1/ 176).

وقال أيضا: " ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبَّب فإن المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافيا في حصول النبات بل لابد من ريح مربية بإذن الله، ولابد من صرف الانتفاء عنه فلابد من تمام الشروط وزوال الموانع، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، وكذلك الولد لا يولد بمجرد إنزال الماء في الفرج، بل كم من أنزل ولم يولد له بل لا بد من أن الله شاء خلقه فتحبل المرأة وتربيه في الرحم وسائر مايتم به خلقه من الشروط وزوال الموانع " (مجموع الفتاوى 8/ 70).

وصدق من قال:

إذا لم يكن عون من الله للفتى فأكثر مايجني عليه اجتهاده

الملحوظة الثانية: قول الدكتور العريفي في ذلك الشيخ:" ولماذا يامسكين ماصرت ناجحا مثل ابن باز ".

أقول: قد يكون ذلك الشيخ نجح في ميادين أخرى غير العلم الذي نجح فيه ابن باز، وكل ميسر لما خلق له كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه، قد يكون نجح في تجارة، أو صناعة، أو وظيفة اتقى الله فيها وعمل فيها بإخلاص وأمانة، ونفع بها المسلمين. وقد يكون نجح في تربية أبنائه فنشأوا في كنفه صالحين مصلحين، فصور النجاح كثيرة، وكونه لم يصر مثل ابن باز لايعني أنه لم يحقق أي نجاح في حياته.

وصدق من قال:

عند أهل العلم للعلم مذاق فإذا فاتك هذا فافتراق

طلب المحروم للعلم سدى ليس للأعمى على الضوء هدى

فإذا فاتك توفيق العليم فامتنع عن كل تحصيل عقيم

واطلب الرزق هناأو ههنا كم مع الجهل يسار وغنى

الملحوظة الثالثة: قول الدكتور العريفي في ذلك الشيخ:" لماذا يموت ابن باز فتبكي عليه المنابر والمحاريب والمكتبات وتئن أقوام لفقده، وأنت ستموت يوما من الدهر ولعله لايبكي عليك أحد إلا مجاملة أو عادة "

أقول: أخشى أن تكون هذه نظرة احتقار للمسلم، واحتقار المسلم حرام، أكل هذا لأنه لم يصر مثل ابن باز؟! سبحان الله! المسلم لايخلو من خير مهما قل شأنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير" رواه مسلم. وروى البخاري عن مُصْعَبِ بن سَعْدٍ قال: رَأَى سَعْدٌ رضي الله عنه أَنَّ له فَضْلًا على من دُونَهُ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هل تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلا بِضُعَفَائِكُمْ ".

إن من يدرك رضوان الله وجنته فلن يضره قلة الباكين عليه أو عدمهم، وإن من يحل عليه سخط الله فلن ينفعه كثرة الباكين عليه. هل ضر حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه كونه لابواكي له؟ وهل هناك أحد من أهل هذا العصر مات فبكى عليه أكثر ممن بكى على (ديانا) تلك الكافرة الفاجرة؟ فهل كثرة الباكين عليها دليل على منزلتها عند الله؟

إنه لاعبرة بكثرة الباكين وقلتهم في منزلة الإنسان عند الله، فقد يكون من لم يبك عليه خيرا عند الله ممن بكي عليه. روى مسلم في صحيحه أن عمر بن سعد بن أبي وقاص قال لأبيه: أَنَزَلْتَ في إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ الناس يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ، فَضَرَبَ سَعْدٌ في صَدْرِهِ، فقال: اسكت؛ سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول:" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ "

وروى الترمذي بسند ضعيف حديث " إنَّ أَغْبَطَ أَوْلِيَائِي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ ذُو حَظٍّ من الصَّلَاةِ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَأَطَاعَهُ في السِّرِّ، وكان غَامِضًا في الناس لَا يُشَارُ إليه بِالْأَصَابِعِ، وكان رِزْقُهُ كَفَافًا فَصَبَرَ على ذلك- ثُمَّ نفض بيده فقال - عُجِّلَتْ مَنِيَّتُهُ، قَلَّتْ بَوَاكِيهِ، قَلَّ تُرَاثُهُ ".

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم:" رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لو أَقْسَمَ على اللَّهِ لَأَبَرَّهُ " رواه مسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير