تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تربى في بيته، ثم ذكر قصة قتله الرجل بعد أن قال لاإله إلا الله، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: " يا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ ما قال لَا إِلَهَ إلا الله "، وقول أسامة: فما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حتى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لم أَكُنْ أَسْلَمْتُ قبل ذلك الْيَوْمِ ".

أقول: رأى المؤلف أن اختلاف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المذكورين في هذه المواقف كان بسبب اختلاف طبائعهم ومقاماتهم، والحوادث التي ذكرها لاتفيد النتيجة التي خلص إليها، وإنما يُسلَّم له ذلك إذا أتى بحادثتين متماثلتين لشخصين مختلفين، اختلف موقف النبي صلى الله عليه وسلم فيهما، فهنا يقال: اختلف موقفه؛ لاختلاف الشخص، أما أن تأتي بحوادث مختلفة في قضايا متفاوتة، وتجزم بأن سبب اختلاف موقفه هو اختلاف الأشخاص فهذا لايُسلَّم؛ فقد يكون اختلاف تعامله بسبب اختلاف الحوادث لااختلاف الأشخاص، فلو أن الذي قتل ذلك الرجل بعد أن قال لاإله إلا الله رجل آخر غير أسامة، أو أن الذي أطال القراءة في الصلاة رجل آخر غير معاذ أكان سيختلف موقف النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل البول في ناحية من نواحي المسجد أو الكلام في الصلاة يساوي أو يداني قتل رجل بعد أن قال لاإله إلا الله، أو تنفير الناس عن الصلاة والدين؟

والمقصود أن الأمثلة التي ذكرها المؤلف لاتدل على النتيجة التي ذكرها، فليستدل لها بأدلة أخرى.

ومن أمثلة ذلك قول المؤلف في ص 66: " فالأحاديث التي تثيرها مع شاب تختلف عن الأحاديث مع الشيخ .. من أساليب جذب الناس اختيار الأحاديث التي يحبونها وإثارتها ... وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك فحديثه مع الشاب يختلف عن حديثه مع الشيخ ... ثم ذكر قصة جابر رضي الله عنه فقال: التفت صلى الله عليه وسلم إلى جابر، وأراد أن يتحدث معه، فماهي الأحاديث التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم ليثيرها مع جابر .. جابر كان شابا في أول شبابه .. هموم الشباب في الغالب تدور حول الزواج وطلب الرزق .. قال صلى الله عليه وسلم: ياجابر هل تزوجت ... ثم ذكر المؤلف قصة جليبيب رضي الله عنه وقال: فماهي الأحاديث التي حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إثارتها معه؟ شاب في ريعان شبابه أعزب هل يتحدث معه عن أنساب العرب، والرفيع منها والوضيع؟ أم يتحدث عن الأسواق وأحكام البيوع؟ لا .. فهذا شاب له نوع خاص من الأحاديث يفضله على غيره، أثار معه صلى الله عليه وسلم موضوع الزواج والحديث حوله، فلطالما طرب الشباب لهذه المواضيع ".

أقول: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حدث جابرا وجليبيبا في الزواج؛ لأنه الحديث الذي يناسب الشباب كما ذكر المؤلف، فماذا يقول في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: أَخَذَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي، فقال:"كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أو عَابِرُ سَبِيلٍ فابن عمر شاب كما قال رضي الله عنه:"كنت غُلَامًا شَابًّا عَزَبًا في عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم وَكُنْتُ أَبِيتُ في الْمَسْجِدِ " رواه البخاري، فلماذا لم يحدثه عن الزواج كما حدث جابرا وجليبيبا، وهو شاب مثلهما، وإنما أمره بأن يكون في الدنيا كالغريب أو عابر السبيل؟ قال ابن رجب: " وهذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا؛ فإن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا فيطمئن فيها ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر يهيئ جهازه للرحيل (جامع العلوم الحكم 1/ 379).

وماذا يقول في الحديث الذي أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال:كنت خَلْفَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فقال:" يا غُلَامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لو اجْتَمَعَتْ على أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لم يَنْفَعُوكَ إلا بِشَيْءٍ قد كَتَبَهُ الله لك، وَلَوْ اجْتَمَعُوا على أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لم يَضُرُّوكَ إلا بِشَيْءٍ قد كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير