10 - في القربِ من بعضِ الكُبَراءِ خيرٌ كثيرٌ بعدَ دراسةِ عواقبهِ وضوابطهِ الشرعيةِ ومدى تحققِ المصلحةِ فيهِ، إضافةً إلى المهارةِ في اختيارِ الطرفين، وقدْ كانَ للشيخِ أحمد الفارسي (ت1352هـ) -رحمه الله- تأثيرٌ على الشيخِ سالمِ الصباحِ الذي حكمَ الكويتَ أربعةَ أعوام؛ إذ ربطتهُما صداقةٌ متينةٌ حينَ سكنَ الشيخُ سالم قريةَ الفنطاسِ بعدَ خلافِه مع أبيهِ، وكانَ الشيخُ الفارسي يقطنُ حينذاكَ في بستانهِ بالقريةِ نفسها؛ فتوثقتْ عُرى الصلةِ بينهما، واستفادَ الشيخُ سالم من علمِ الشيخِ أحمد وممَّا يلقيهِ من دروسٍ ومواعظَ، وكانَ لذلكَ أثرٌ علمي على الشيخِ سالم في النحو والشعرِ وحبِّ المطالعةِ إضافةً إلى محافظتهِ على شعائرِ الدِّين.
ومنْ أعمالِ سالمٍ الإصلاحيةِ تخفيضُ أو إلغاءُ الجمركِ، وتطهيرُ البلادِ من الفسقةِ والبغايا وتعيينُ مختارينَ في الأحياءِ لإزالةِ الرجسِ؛ وكانَ يجولُ ليلاً في المدينةِ لحفظِ الأمن.
11 - ومنْ أنجحِ الأساليبِ جعلُ الاحتسابِ والإصلاحِ همَّاً عامَّاً وشعاراً يشتركُ الجميعُ في تبنيه؛ فالمرأةُ في عالمِها محتسبةٌ مصلحة، والمهنيُّ كذلكَ في مجاله، والعامَّةُ في نواديهم، والمثقفونَ في ميدانِ الكلمةِ والرأي، والمسؤولُ على كرسي الأمانة، والإعلاميُ خلفَ منبره، وكلُّ راعٍ في رعيته، وحينها فقط يُسقطُ في أيدي المجرمينَ، ويقع بهم ما لمْ يكونوا يحتسبون.
12 - اشتراطُ الإصلاحِ عندَ قبولِ المناصبِ إذا كانَ الاشتراطُ ممكناً، ولمَّا تولى الشيخُ علي الشارخ القضاءَ في الكويتِ اشترطَ على الأميرِ عبدِ اللهِ بنِ صباحٍ الأولِ ألاَّ تُغلَّ يدُه عن تنفيذِ الأحكامِ خاصةً مع الوجهاءِ، فوعدَه الحاكمُ بذلكَ ولوْ على نفسِه، وكانتْ أولُ أعمالِه حرقُ أكواخٍ يأوي إليها طلابُ الفسادِ، وأوعزَ ببناءِ مسجدٍ مكانهَا سنةَ 1225هـ.
13 - تصحيحُ بعضِ المفاهيمِ المغلوطةِ حولَ الاحتسابِ والإصلاح؛ ومنْ أبرزِها ثلاثةُ مفاهيم:
الأول: أنَّ محاربةَ الفسادِ مقصورٌ على الجوانبِ الماليةِ والإدارية -مع أهميتهما- فلا نُغفِلُ باقي الجوانبِ، وبعضُها أعلى منزلةً ولا ريب.
الثاني: أنَّ الإصلاحَ يستلزمُ المعارضةَ أو الهياجَ والشغب؛ وليست الطريقُ هنالك.
الثالث: أنَّ رأيَ المجتمعِ معتبر في المسائلِ الاجتماعيةِ فقطْ (!)؛ وشرع اللهِ هو الحاكمُ على كلِّ الشؤونِ، وعلى المؤمنِ التسليمُ والإذعان.
14 - وهذهِ عدَّةُ أفكارٍ تحتاجُ مزيداً من النَّظر:
- تنويعُ ساحاتِ الاحتسابِ والإصلاحِ عبرَ البيتِ والعائلةِ والقبيلةِ والمهنةِ والمسجدِ والمدرسةِ والإعلامِ والملتقياتِ. ومنْ التنويعِ تباينُ مستوياتِ الطرحِ حتى يفهمها النَّاسِ كافة.
- نقلُ التجارِبِ الناجحةِ مع التعديلِ حسبَ البيئةِ المحليةِ.
- تجليةُ البعدِ التعبدي والاجتماعي والنظامي لكلِّ مشروعٍ احتسابي أو عملٍ إصلاحي.
- التحالفُ مع القطاعاتِ الحكوميةِ والخاصَّةِ والخيريِّةِ وغير الربحية في سبيلِ الإصلاح؛ فالجميعُ يتفقونَ على قداسةِ الدِّينِ واستقلاليةِ القضاءِ وقيمةِ الأمنِ وضررِ المخدراتِ وخطرِ العنوسةِ وبؤسِ الفقرِ وأهميةِ تربيةِ الجيلِ وتحصينِه وتأهيلِه وهلَّمَ جرا من محاورَ وطرائقَ لا تخفى على أصحابِ الشأنِ، والحكمةُ ضالةٌ تبحثُ عمَّنْ يلتقطُها.
- من المهمِّ الكتابةُ عن شؤونِ الاحتسابِ والإصلاحِ، والحديثُ عنهما؛ وبثُّ الحياةِ في هذهِ المعاني الساميةِ لدى النقابيين والفضلاءِ والكبراءِ والأثرياءِ، والنَّاسُ معادن.
ومعْ تعدُّدِ مجالاتِ الحياةِ وتشعبِ شؤونِها يطيبُ التفكيرُ والإبداع؛ وينفسحُ الميدانُ لشفقةِ المحتسبين ونصحِ المصلحين الذينَ يبتغونَ ما عندَ اللهِ -سبحانه- ويتبعونَ هديَ النَّبي الخاتمِ -صلى الله عليه وسلم- وهو خيرُ هديٍ وأكملُه وأحسنُه، وعندَ اللهِ الجزاءُ الأوفى.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف
الرابط ( http://www.alukah.net/articles/0/2876.aspx)