[(((شرح حديث))) "الآن يا عمر "]
ـ[توبة]ــــــــ[18 - 06 - 08, 02:35 ص]ـ
في فتح الباري،باب (حب الرسول):
والمراد بالمحبة هنا حب الاختيار لا حب الطبع، قاله الخطابي.
وقال النووي: فيه تلميح إلى قضية النفس الأمارة والمطمئنة، فإن من رجح جانب المطمئنة كان حبه للنبي صلى الله عليه وسلم راجحا، ومن رجح جانب الأمارة كان حكمه بالعكس.
وفي كلام القاضي عياض أن ذلك شرط في صحة الإيمان؛ لأنه حمل المحبة على معنى التعظيم والإجلال.
وتعقبه صاحب المفهم بأن ذلك ليس مرادا هنا؛ لأن اعتقاد الأعظمية ليس مستلزما للمحبة، إذ قد يجد الإنسان إعظام شيء مع خلوه من محبته. قال: فعلى هذا من لم يجد من نفسه ذلك الميل لم يكمل إيمانه، وإلى هذا يومئ قول عمر الذي رواه المصنف في " الأيمان والنذور " من حديث عبد الله بن هشام أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم " لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال: لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنك الآن والله أحب إلي من نفسي. فقال: الآن يا عمر " انتهى.
فهذه المحبة ليست باعتقاد الأعظمية فقط، فإنها كانت حاصلة لعمر قبل ذلك قطعا. ومن علامة الحب المذكور أن يعرض على المرء أن لو خير بين فقد غرض من أغراضه أو فقد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كانت ممكنة، فإن كان فقدها أن لو كانت ممكنة أشد عليه من فقد شيء من أغراضه فقد اتصف بالأحبية المذكورة، ومن لا فلا. وليس ذلك محصورا في الوجود والفقد، بل يأتي مثله في نصرة سنته والذب عن شريعته وقمع مخالفيها. ويدخل فيه باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي هذا الحديث إيماء إلى فضيلة التفكر، فإن الأحبية المذكورة تعرف به، وذلك أن محبوب الإنسان إما نفسه وإما غيرها. أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الآفات، هذا هو حقيقة المطلوب. وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفة حالا ومآلا. فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان إما بالمباشرة وإما بالسبب علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات، فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره؛ لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره، ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه. ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم؛ لأن هذا ثمرة المعرفة، وهم بها أعلم، والله الموفق.
وقال القرطبي: كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم إيمانا صحيحا لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة، غير أنهم متفاوتون. فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى، كمن كان مستغرقا في الشهوات محجوبا في الغفلات في أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم اشتاق إلى رؤيته، بحيث يؤثرها على أهله وولده وماله ووالده، ويبذل نفسه في الأمور الخطيرة، ويجد مخبر ذلك من نفسه وجدانا لا تردد فيه. وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره على جميع ما ذكر، لما وقر في قلوبهم من محبته. غير أن ذلك سريع الزوال بتوالي الغفلات، والله المستعان. انتهى ملخصا.
ـ[توبة]ــــــــ[18 - 06 - 08, 02:36 ص]ـ
و في الفتح أيضا،باب (كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه و سلم):
حديث عبد الله بن هشام أي ابن زهرة بن عثمان التيمي من رهط الصديق.
قوله (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب)
تقدم هذا القدر من هذا الحديث بهذا السند في آخر مناقب عمر، فذكرت هناك نسب عبد الله بن هشام وبعض حاله، وتقدم له ذكر في الشركة والدعوات.
قوله (فقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي)
اللام لتأكيد القسم المقدر كأنه قال: والله لأنت إلخ.
قوله (لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)
أي لا يكفي ذلك لبلوغ الرتبة العليا حتى يضاف إليه ما ذكر. وعن بعض الزهاد: تقدير الكلام لا تصدق في حبي حتى تؤثر رضاي على هواك وإن كان فيه الهلاك. وقد قدمت تقرير هذا في أوائل كتاب الأيمان.
قوله (فقال له عمر فإنه الآن يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر)
قال الداودي: وقوف عمر أول مرة واستثناؤه نفسه إنما اتفق حتى لا يبلغ ذلك منه فيحلف بالله كاذبا، فلما قال له ما قال تقرر في نفسه أنه أحب إليه من نفسه فحلف، كذا قال.
وقال الخطابي: حب الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام حب الاختيار إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه.
قلت: فعلى هذا فجواب عمر أولا كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى فأخبر بما اقتضاه الاختيار، ولذلك حصل الجواب بقوله " الآن يا عمر " أي الآن عرفت فنطقت بما يجب. وأما تقرير بعض الشراح الآن صار إيمانك معتدا به، إذ المرء لا يعتد بإيمانه حتى يقتضي عقله ترجيح جانب الرسول. ففيه سوء أدب في العبارة، وما أكثر ما يقع مثل هذا في كلام الكبار عند عدم التأمل والتحرز لاستغراق الفكر في المعنى الأصلي، فلا ينبغي التشديد في الإنكار على من وقع ذلك منه بل يكتفى بالإشارة إلى الرد والتحذير من الاغترار به لئلا يقع المنكر في نحو مما أنكره
¥