تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سابعاً ـ إنّ الدولة العثمانيّة في كلّ أطوارها كانت ترسّخ التصوّف وتشجّعُ عليه في كلّ أرجاء دولتها، وهي التي أنشأت الأضرحة والقباب والمقامات والزوايا وأجرت لها الأوقاف، وعيّنت كبار شيوخ التصوف مُتَولِّين على الأوقاف الإسلامية. وكما نعلم فإنّ المتصوفة يعظّمون ابن عربي ويقدّسونه فهل يريد منا الشيخ نصيف أن نقبل أن جميع هؤلاء المتعصبين لابن عربي من السلطان سليم وباقي السلاطين والولاة مروراً بمشيخة الطرق والأضرحة لم يتعرّضوا للكتب الرادة على ابن عربي عبر تلك القرون كلها وحافظوا عليها واعتنوا بها، وتركوا التفكير بإحراقها، حتى إذا أهلَّ زمان الأمير عبد القادر؛ ذلك القائد الفذ والأديب الشريف، أقدم على التفكير بهذه الطريقة وقام بتنفيذها؟!!!

إنّ هذا حقاً لأمر عجيب ولا يمكن القبول به عند العقلاء.

وألفت الانتباه إلى أنّ السيوطي نفسه؛ وهو الذي ردّ على كتاب الإمام البقاعي؛ كان يعتقد بولاية ابن عربي ولكن كان يقول بحرمة قراءة كتبه!

وجلّ شيوخ التصوف كان هذا مذهبهم ينهون أتباعهم عن نسخ كتب ابن عربي أو قراءتها مع إقرارهم بولايته!! ويقولون للناس إن الفقهاء الذين ينتقدون ابن عربي لم يفهموا كلامه ونحن نعذرهم فهم أهل الظاهر وابن عربي من أهل الباطن!!

إذن فما الحاجة إلى إحراق كتب العلماء التي انتقدت ابن عربي؟

ليس هناك حاجة طبعاً سوى أن مختلق هذه القصّة (السائح التركي!) أراد أن يشوّه صورة الأمير عبد القادر فحسب، فالأمير صوفي المشرب في الأصل وهذا يكفي عند البعض لأن يكون مباح العرض والدم فيفترى عليه بالباطل وتلصق به التهم.

ثامناً ـ أنا أعلم أنّ الأمير عبد القادر كان صوفيّ المشرب وقرأ "الفتوحات المكيّة"، ولكن هذا لا يسمح لي أن أجزم من عند نفسي بأنّه كان موافقاً لابن عربي في كلّ شذوذاته وانحرافاته، كيفَ لي ذلك وأنا أقرأُ في كتاب المواقف؛ الذي نَسَبه الشيخ محمد نصيف للأمير! (وليس له)؛ قولَ الأمير: "وما يُنسَبُ لسيدنا خاتم الولاية محيي الدين مِنَ الكتب المؤلّفة في علم التدبير والكيمياء، ولغيره من الأولياء الدّاعين إلى الله تعالى؛ فزورٌ وافتراء، فإنّه مُحالٌ أنْ يَدُلَّ وليٌ من أولياء الله، عبادَ الله على ما يقطعهم عن الله تعالى ... وكذا ما يُنسَبُ لسيدنا محيي الدين، من الكتب المؤلّفة في الملاحم والجِفْر كالشّجرة النعمانيّة وغيرها .. وكذا الفتاوى المنسوبة إليه، كذبٌ وزور".انتهى [المواقف 2/ 709]

فكما ترون فإنّ الأمير عندما اطّلَعَ على كلامٍِ يُنسبُ للشيخ ابن عربي ووجَدَه مخالفاً للشريعة أسرعَ فنفاه عنه وذلك في كتابه الخاص بعلوم القوم، والسبب في ذلك أنّ الأمير نشَأ على محبّة من يُسمّونهم أولياء الله، ومنهم ابن عربي. فمن باب حُسنِ ظنّه به نفى عنه ما رآه مخالفاً للشرع.

ولَسْتُ هنا في معرض تصويب أو تخطئة كلام الأمير في نفي تلك الكتب أو إثباتها، ولكنّ الذي أُريد بيانه أنّ الأمير صرَّح بعدم موافقته على الكلام المخالف للشرع الذي نُسِبَ لابن عربي، فكيفَ يسمح البعض لأنفسهم أن يجزموا بأنّ الأمير كان على معتقد الشيخ ابن عربي من الحلول والاتحاد؟!

كما فعل الشيخ محمد نصيف الذي لم يكتف بذلك بل قال: ((وقد ألف الأمير عبد القادر كتاباً في التصوف على طريقة ابن عربي. صرّح فيه بما كان يلوّح ابن عربي)). سبحان الله!

وانظروا إلى تحذير الأمير من ذلك عندما كان يشرحُ بعض إشارات الصوفيّة قال في آخر كلامه:

" واحذر أن ترميَني بحلولٍ أو اتّحاد أو امتزاج أو نحو ذلك، فإني بريء من جميع ذلك ومِنْ كل ما يُخالف كتابَ الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم .. ".انتهى [المواقف 2/ 869]

وانظروا إلى قوله: " ... فإنّ هلاكه أقرب، ونجاته أغرب، إذ للشيطان فيه مدخلٌ واسع وشبهة قويّة فلا يزال أبو مُرّة (يعني إبليس) معه يستدرجه شيئاً فشيئاً يقول له: الحقُّ ـ تعالى ـ حقيقَتُكَ، وما أنتَ غيرُه، فلا تُتْعِب نفسك بهذه العبادات، فإنّها ما وُضعت إلا للعوام الذين لم يصلوا إلى هذا المقام، فما عرفوا ما عَرَفت، ولا وصلوا إلى ما إليه وصلت. ثمّ يُبيحُ له المحرّمات، ويقول له: أنتَ ممَّن قال لهم: اعملوا ماشئتم فقد وجبت لكم الجنّة، فيُصبِحُ زنديقاً إباحيّاً حلوليّاً، يمرقُ من الدِّين كما يمرق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير