السهم من الرميَّة".انتهى [المواقف 3/ 1043]
يقول شارل هنري تشرشل: ((إن العرب ينسبون نجاح وحظّ عبد القادر السعيد إلى تعضيد سميّه العظيم (يقصد بسميّه الشيخ عبد القادر الجيلاني)، ولكن كلّما سُئلَ عبد القادر عن عقيدته في هذه الخرافة، أجاب بلا تغيير، مُشيراً بإصبعه إلى السماء، "إنّ ثقتي في الله وحده")).انتهى [(حياة الأمير عبد القادر) ترجمة أبي القاسم سعد الله ص46]
وهذا نصٌّ واضح يرويه هنري تشرشل (البريطاني المسيحي) مباشرة عن الأمير ـ فقد لازمه مدة خمسة أشهر في دمشق سنة 1860م يسأله عن حياته العائلية ووقائعه في الجزائرـ وبعد أن سأله مراراً عن عقيدته فيما يعتقده بعض المتصوفة من أنّ نجاح الأمير كان بسبب عناية الولي الجيلاني به ومساندته له، كان جواب الأمير ثابتًا دائماً، كان يُشير بإصبعه إلى السماء ويقول:"إنّ ثقتي بالله وحده"!!
وهذه النصوص التي سقتها لكم هي نصوص ظاهرة الدلالة يصرّح فيها الأمير عن معتقده، فلا يجوز أن يُتغافل عنها ويُصار إلى الكلام عنه بالتخرّص والتوهّم!! بل يتعيّن الاعتماد عليها وطرح ما يخالفها.
وسيأتي مزيدٌ لبيان فكر وعقيدة الأمير عبد القادر عند الحديث على كتاب المواقف إن شاء الله.
أعتقد أنّ هذه الأشياء التي ذكرتها لكم تبيّن بوضوح عدم صحة الرواية التي أوردها الشيخ محمد نصيف عن السائح التركي، على جميع الصُعد، فهي لا تصح سنداً ولامتناً ولا مقبولة عقلاً، ومتعارضة مع الحقيقة والواقع، فقد زعم راويها أنّ الأمير اشترى كل تلك الكتب وأحرقها، وها نحن نرى اليوم جميع تلك الكتب موجودة ومحفوظة! فالأخذ بهذه الرواية ليس من الدّين في شيء.
وأعجب من ذلك أنّ بعض الذين أوردوا هذه الرواية فهموا منها شيئاً لم يُذكر فيها! وصاغوه كما يروق لهم، فقالوا: إن الأمير عبد القادر من ألد أعداء دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وكان يُحرق كُتبه وكتب ابن القيّم!!
ودليلهم على ذلك هو الرواية التي ساقها الشيخ محمد نصيف.
ولا أدري من أين ظهر لهم اسم شيخ الإسلام ابن تيمية في كل تلك الرواية؟!
لعلّهم ظنوا أنّ الإمام ابن تيميّة، رحمه الله، كان الوحيد الذي يُنكر على ابن عربي، ومِنْ ثَمَّ فالكتب التي أحرقها الأمير عبد القادر هي كتب الإمام ابن تيميّة، ومن هنا استشفّوا العداوة بين الرجلين!
وهذا والله أمرٌ عجيب! أيكون الحكم على العلاقات بين الرجال بهذه الطريقة السقيمة؟!
توهّمٌ أوّل مضافٌ إلى توهّمٍ ثان والتوهمان مبنيان على رواية باطلة، وبعد ذلك الخروج بحكم ما أنزل الله به من سلطان. ثم "نحن أهل الإسلام وأهل الحديث!! "
إنّ الواجب على الذي يدّعي هذا الكلام أن يأتي بالبرهان والدليل على كلامه، وإلاّ فهو ساقط الرواية وليس بثقة؛ هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فالموقف عصيب والدّيان شديد العقاب.
وأنبّه هنا إلى أمر هام وهو أنّ علماء عصرنا الذين ترجموا لابن تيمية وابن القيم وكذلك المحققين الذين تولوا إخراج تراثهما المكتوب، لم يشيروا لا من قريب ولا من بعيد إلى حادثة إحراق كتبهما. وتفرّد بذكر هذه الحادثة صاحب مقال فك الشيفرة وأمثاله من الذين يلقون أوهامهم هنا وهناك في (الإنترنت)، وهم ليسوا من أهل العلم بل وغير معروفين.وليس لهم أي مستند أو برهان لما ذكروه وافتروه!!
والأمير له بعض الكتب والرسائل، لا يوجد في أي منها تعريض بشيخ الإسلام أو بغيره.
وبعد مطالعتي لتراث الأمير عبد القادر لم أقف على شيء يدل على نفور الأمير من ابن تيمية. ولكنني وقفت على بعض النصوص، التي كتبها السيد أحمد بن محيي الدين الحسني الأخ الأصغر للأمير عبد القادر وتلميذه النجيب وهو صوفي المشرب أيضًا (وهو من أصفياء العلاّمة جمال الدين القاسمي)، هي أقوى في الدلالة وأظهر من تلك التي اعتمد عليها أدعياء العداوة بين الرجلين؛
¥