وسأنصر الأخ محمد المبارك والإخوة الخائضين في هذا الموضوع بإبداء النصح لهم، وذلك بعرض الحقائق والبيّنات التي لم يقفوا عليها، وأدعوهم إلى الاعتماد على الحقائق عوضًا عن الظنون. والاطمئنان لأقوال المسلمين العدول، والانصراف عن الأخذ بأقوال غيرهم وخصوصًا الماسون.
يقول الله عزَّ وجلّ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:58]
ويقول تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15]
وإذا وجد الأخ محمد المبارك في خطابي شدّة فليعلم أنني لا أضمر له في نفسي بغضًا أو كرهًا، وإنما خاطبته بلهجة النقد العلمي فحسب، وقد ترفّقت به كثيرًا، مع أنه في مقاله لم يترفّق بالأمير، ولم يترك فضيلة إلاّ جرّده منها، ولم يدع نقيصة إلاّ ووصمه بها، حتى إن القارئ لمقاله ليظن نفسه أمام أبشع شخصية عرفتها الإنسانية.
وأرجو أن تجد كلماتي عنده وعند الذين خاضوا خوضه، صدرًا سليمًا، وقبولاً حسنًا. وأسأل الله تعالى أن يرشدنا جميعًا إلى سواء السبيل وصراطه المستقيم، وكلي أمل ألاّ نصل إلى آخر حلقات هذا البحث إلاّ وقد آب الأوّابون وانصلح الحال.
فأقول مستعيناً بالله العظيم:
يقول الأخ محمد المبارك في مقاله (فكّ الشفرة): ((ومما حُفِظ عن الأمير خلال تلك الحوارات قوله:" لو كان العالم يسمعني لجعلت من المسلمين والمسيحيين إخوةً ولعملنا معاً من أجل إرساء السلام في العالم"ولعلَّ هذه الجملة كانت هي البروتوكول الذي انتهجه فيما بعد الأمير و التزم به كلالالتزام)).انتهى
يقول مما حُفظ! طيِّب، مَنْ حفظه لنا يا أخي؟ سمِّ لنا العلماء المسلمين الذين حفظوا هذه المقولة كما ذكرتها! وأين أوردوها؟
ويبدو أنّ الأخ كاتب المقال لم يتنبّه إلى أمر هام وهو أنه أمام جملة شرطية مبدوءة بأداة الشرط [لو]! وهي: حرفُ امتناعٍ لامتناع، أي تدلُّ على امتناع الجواب لامتناع الشرط!!! ففي قولكَ: (لو درسَ لنجح) امتناعُ النجاح لامتناعِ الدَّرْس!
إذن عندما يقول الأمير: ((لو أصغى إليَّ المسلمون والنصارى لرفعت الخلاف بينهم))
فالذي يُفهم من هذا الكلام امتناعَ رفعِ الخلاف بين المسلمين والنصارى لامتناع إصغائهم!
فكيف تكون هذه الجملة منهجًا يلتزمه الأمير وهي ممتنعة؟!!
وللعلم فإنّ هذه المقولة أوردها عدّة أشخاص في الإنترنت وكل واحد منهم يأتي بها في صيغة مختلفة عن الأخرى، وذلك لأنهم ينقلونها بالمعنى أو مترجمة عن لغات أخرى. ولكن أغرب ما رأيت في نقل هذه المقولة هو ما كتبه (عبد الحق آل أحمد)؛ ولا أدري إن كان هذا اسمه الحقيقي؛حيث قال:" قال الأمير عبد القادر الجزائري: ((لو أصغى إلي المسلمون و النصارى، لرفعت الخلاف بينهم، ولصاروا إخوانا، ظاهرا و باطنا، ولكن لا يصغون إلي)).اهـ من [ذكرى العاقل و تنبيه الغافل: ص/107] ". انتهى
والغرابة في هذا النقل أنّ كاتبه ينقله هذه المرة من مصدره الأصلي وهو رسالة ((ذكرى العاقل وتنبيه الغافل)) للأمير عبد القادر الجزائري. ولكنّه نقَلَه بعد أن سلخه عن سياق الكلام، فحذف ما سبقه وما لحقه لكي يُظهر العبارة بوجهٍ يساعده على ما يريد. ومِنْ ثَمَّ حَكَمَ على الأمير بأنه يدعو إلى المؤاخاة مع النصارى!!!
وأقول: إنّ رسالة (ذكرى العاقل) هي رسالة كتبها الأمير عبد القادر إلى علماء فرنسة يدعوهم فيها إلى الإسلام؛ وقد بدأها بالكلام على ضرورة إعمال النظر وترك التقليد، ثم بيّن فضل العلم والعلماء، وبيان انقسام العلم إلى محمود ومذموم، ثم بيّن فضل العلم الشرعي، وتحدث عن ضرورة إثبات النبوة التي هي منبع العلوم الشرعية، وتحدث عن قصور المكذبين للأنبياء، وبرهن لهم أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الأنبياء، ثم تحدث عن الكتابة وضرورة التصنيف.
¥