تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي معرض كلامه على إثبات النبوّة واحتياج كافة العقلاء إلى علوم الأنبياء قال: ((وإذا ثبت أنّ اللهَ تعالى فاعلٌ مختار لا عِلّةٌ موجبة وثبت أن إرسال الأنبياء ممكن غير محال في حقه، وجاءت الأنبياء بما يصدقهم من المعجزات الخارقة للعادة لزم تصديقهم)).انتهى [ص65]؛ ثم قال: ((ولو أن قائلاً قال إن هذا الإبريق تكوّن بنفسه من غير قصد قاصدٍ حكيم، ولا فعلِ فاعلٍ بل اتفق تكوُّنه بنفسه كما اتفق تشكل هذه القطعة بهذا الشكل الخاص من غير قصد قاصد حكيم ولا جعل جاعل، لشهدت الفطرة السليمة بأن هذا القول باطل محال؛ ومتى ثبت القول بالفاعل المختار ثبتَ حدوث العالم، ومن عرف هذا سهل عليه معرفة النبيّ)).انتهى [ص67]؛ وقال: ((فإذا قال قائل إن هذا المنقول عنهم (يعني الأنبياء) خرافات وكذب! فنقول له ما بال الناس لا ينقلون نقلاً متواترًا عن غير الأنبياء مثلَ ما نقلوا عن الأنبياء؟)).انتهى [ص68]

وقال: ((وأساس الديانة وأصولهُا لا خلاف فيها بين الأنبياء من آدم إلى محمد، فكلّهم يدعون الخلقَ إلى توحيد الإله وتعظيمه واعتقاد أن كل شيء في العالم صُنعه. وإلى حفظ النفس والعقل والنسل والمال، فهذه الكلّيات الخمس لا خلاف فيها بين الأنبياء، وجميعُ الشرائع متفقة عليها، وحاصلها يرجع إلى تعظيم الإله والشفقة على مخلوقاته، وطريان النسخ على هذه الكلّيات الخمس مُحال، وإنما النسخ يمكن في الشرائع الوضعية، وهي الأشياء التي يجوز ويصح أن لا تكون مشروعة، دون الأحكام العقلية كتوحيد الإله وما ذكرنا معه من الكلّيات)).انتهى [ص71].

والآن إليكم النص الذي وردت فيه عبارة الأمير التي يُراد من اجتزائها وتدليسها الطعن فيه بغير حق. وقد وردت في معرض احتجاجه على النصارى بأن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين قال: ((والنسخُ في الحقيقة ليس هو إبطال وإنما هو تكميل .... واليهود هم الذين اعتدوا في السبت فمسخهم الله قردةً وخنازير. وقال المسيح ما جئتُ لإبطال التوراة بل جئتُ لأكملها، قال صاحب التوراة "النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والجروح قصاص" وأنا أقول "إذا لطمك أخوك على خدّك الأيمن فضع له خدك الأيسر. وجوابُ النصارى لليهود هو جواب المسلمين للنصارى، والذي قاله المسيح قاله محمد، فإنه قال "ما جئتُ لأُبطل الإنجيل والتوراة وإنما جئتُ لأكملهما. ففي التوراة أحكام السياسة الظاهرة العامة، وفي الإنجيل أحكام السياسة الباطنة الخاصة، وأنا جئتُ بالسياستين جميعًا، جئتُ بالقصاص {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وهو إشارة إلى السياسة الظاهرة العامة، وجئتُ بالعفو {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وهو إشارة إلى السياسة الباطنة الخاصة. وهذا دليلٌ على أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين؛ لأن النبوّة حكمةٌ، والحكمةُ إمّا عملية أو علمية أو جامعة بينهما، وحكمة موسى كانت عمليةً لاشتمالها على تكاليفَ شاقة وأعمال متعبة، وحكمة المسيح كانت علمية لاشتمالها على التجرد والروحانيات والتصوف المحض، وحكمة محمدٍ جامعةٌ بينهما، فلا يجيءُ نبيٌّ بعده غير المسيح فإنه ينزل ثانيًا إلى الأرض لأنّ الذي يجيء بعد محمد إن كانت حكمته عملية فموسوي وإن كانت حكمته علمية فمسيحي، وإن كانت جامعة بينهما فمحمدي، فقد انختمت عليه النبوّة بالضرورة. فالدين واحدٌ باتفاق الأنبياء، وإنما اختلفوا في بعض القوانين الجزئية، فهم كرجالٍ أبوهم واحد وأمهاتهم متعددة؛ فتكذيب جميعهم أو تكذيب البعض وتصديق البعض قصورٌ؛ ولو أصغى إليَّ المسلمون والنصارى لرفعتُ الخلاف بينهم ولصاروا إخوانًا ظاهرًا وباطنًا، ولكن لا يصغون إليّ لِمَا سبق في علم الله أنه لا يجمعهم على رأي واحد؛ ولا يرفعُ الخلافَ بينهم إلاّ المسيح عند نزوله ولا يجمعهم لمجرَّد كلامه مع أنه يحيي الموتى ويبرئُ الأكمه والأبرص، ولا يجمعهم إلاَّ بالسيف والقتل، ولو جاءَني مَنْ يريد معرفة طريق الحق وكان يفهم لساني فهمًا كاملاً لأَوصلته إلى طريق الحق من غير تعب لا بأن يُقلّدني بل بأن يَظْهَرَ الحقُّ له حتى يعترف به اضطرارًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير