وأما عن لقاءات الأسرة فلم يظهروا أيًا منها واكتفوا بمقطع مجتزأ مع السيد الفاتح يصرح فيه بأن الأمير ليس ماسونيًا ويطالب بالعناية بآثاره وأملاكه.
إذن الفيلم يريد أن يصور للعرب والمسلمين أنّ الأمير عبد القادر إنما هو رجل ماسوني يحب اليهود والمشركين، فإذا كان له منزلة في قلوبكم فما عليكم إلاّ أن تتبعوه! أو تنبذوه وتعادوه!
ـ وللفائدة فإن الفرنسيين لمّا خسروا حربهم في الجزائر واضطروا إلى الخروج منها خائبين، صاروا يدّعون أنّ خروجهم كان لأغراض سياسية أو لأسباب تكتيكية أو أو .... ثمّ صاح بهم أحد عقلائهم وقال مخاطبًا الشعب الفرنسي المصعوق بخروجه من الجزائر بعد 132سنة: ((باختصار القرآن أقوى من فرنسة)) فهذا اعتراف منه أنّ الثورة في الجزائر كانت ثورة دينيّة. لذلك عمدت السلطات الفرنسيّة بكل ما لديها من أدوات الإعلام لزرع فكرة معاكسة، فما كان من الرئيس هواري بو مدين (واسمه الحقيقي محمد بو خروبة) إلاّ أن قرر نقل رُفات الأمير من دمشق إلى الجزائر ليُحْيي عند الناس ذكرى جهاد الأمير للفرنسيين ذلك الجهاد الإسلامي!! وليوصل رسالة للفرنسيين أن حربنا معكم كانت منذ البداية حرب جهاد وأن الشعب الجزائري شعب مسلم يعتز بدينه!
والحقيقة أن الغرب يحسب ألف حساب لشخصيّة الأمير بسبب أنه يرسم للمسلمين المثال الذي يمكن أن يحتذوا به في خلق الإمارة الإسلاميّة وإعلان الجهاد المسلح على الصليبيين والمعتدين؛ لأنهم يعلمون أن الأمير استطاع مع ثلّة من الرجال المؤمنين أن يؤسس دولة دستورها الإسلام وينشئ جيشاً ضمن أرض الجزائر، المحتلة أصلاً من قبل أكبر قوة عسكرية في ذلك الوقت (فرنسة)، وأن يجاهدها ويكبدها الخسائر الفادحة ويحطم كبرياءها.
الغرب يخشى من شخصيّة الأمير عبد القادر لأنه أحد رواد ثورة الإصلاح الديني، لقد حارب الأمير الصوفي بعض شيوخ الطرق الصوفية المنحرفين في الجزائر وقاومهم وحارب الشعوذة والتدجيل وعبادة الشيوخ، وكل هذا مدوّن في كتب تاريخ الجزائر ومسجل بالوثائق، ولكن من المؤسف أنّ أمّة {اقرأ} لا تقرأ!!
حتى إن بعض الكتّاب والمؤرخين عدّوا الأمير عبد القادر وعبد الكريم الخطابي من المتأثّرين بالحركة الوهّابيّة (انظر حاضر العالم الإسلامي، والحركة الوطنية الجزائرية)، وهذا طبعًا بتعريفها العام كحركة إصلاح ديني لها جيش يدعمها، لا من حيث الاتفاق على كل مبادئ الحركة ومعتقداتها.
فالأمير مشربه صوفي ويختلف مع الفكر الوهابي، ولكنه متفق معه على وجوب إزالة الفساد الديني والجهل الشرعي.
((وكذلك الأمر كان مع الشيخ محمد بن علي السنوسي شيخ الطريقة السنوسية الذي رحل إلى مكّة وتأثّر بالإصلاح الوهابي دون تقليده، والسنوسية تشبّعت بأفكار الشرق، ولا سيما الفكر الوهّابي)) والكلام للدكتور أبي القاسم سعد الله. [انظر الحركة الوطنية الجزائرية لسعد الله ص373 و403]
وكذلك من المتأثرين بالفكر الوهابي من صوفية الجزائر (شريف ورقلة: إبراهيم بن أبي فارس) [المصدر السابق ص372]
على أيّة حال، الدروس التي يمكن أن تستفاد من سيرة الأمير عبد القادر تمثل خطرًا كبيرًا على الغرب وأتباعه، لذلك هم حريصون على تشويه هذه الشخصيّة، فلا مسوغ لتعجّب كاتب المقال لأن كل تلك الأفلام التي تحدَّثَ عنها إنما هي للتشويه والتضليل.
قال بعض المؤرخين الفرنسيين (( ... إنّ عبد القادر قد تحدّى أكبر الجيوش في وقته، واخترع حرب العصابات، ووضع أسس الوطنية الجزائرية، وأعطى لغيره دروسًا في المهارة والالتزام للدبلوماسيين ... )) انتهى [لاتياد ص43]. وكما قيل: والفضل ما شهدت به الأعداء.
وقد علّق على هذا الكلام كبير المؤرخين في الجزائر الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله فقال: ((ولكن هذا الكاتب نسيَ أن ينبّه إلى أنّ عبد القادر هزَمَ أكبر جنرالات وماريشالات فرنسا عندئذ، وأنها (أي فرنسا) نَكَبَته في وطنه وقومه وتآمرت عليه مع جيرانه وعزلته حتى عن علماء الدين، ونصَبَت ضده شبكة من الجواسيس والخونة، وتقوّلت عليه الأقاويل الكاذبة، وخانت وعدها معه بتركه يذهب حيث اختار. ولكن هناك كتّاب آخرون يذكرون أن الأمير كان باعث الوطنية الجزائرية. فقد وصَلَ خطابه أعماق الشعب، وحرّك نداؤه ضمير الأرض، وهزّ صوته أركان الوطن فإذا بريح الوطنية تطوي
¥