تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أمهات جزائريات) لأنهم بدؤوه بالإساءة إليه وتعاونوا مع عدوّه. وبينما لم يتدخل في العادات القبلية ولا في سلوكات الطرق الصوفية فإنه كان يُخاطب الجميع بلغة الدِّين والوطن والوحدة ويُذكرهم بماضيهم المجيد ويرغّبهم في التحرر والنهضة والاعتماد على النفس. ولذلك أحبّه الجميع وندم الذين خالفوه أحياناً على فعلهم وجاؤوه تائبين متوسلين. وقد عرفوا قدره أكثر بعد أن غاب عنهم وترك فراغاً لم تملأه أيّة شخصيّة من بعده، لأنّ كل من ظهر بعده كان يفتقر إلى العناصر التي تمتع بها الأمير، وهي تحديد الهدف وخدمته بكل الوسائل: الحرب والدبلوماسية والشجاعة والرأي والإخلاص.

ولعلّ هذه القِيَم هي التي جعلت الأمير هو البطل المغوار الذي تتحدث عنه قصص الفروسية العربية والفارس الغازي الذي ذكَّرَ الناس بعلي بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعقبة بن نافع، في وقت لم تبق من هؤلاء إلا ذكريات الكتب وأحاديث الأسمار. وقد لاحظ أعداؤه المعاصرون له أن الأمير لا يمكن خيانته مِمَّن تبعه، رغم أن كثيرًا من عظماء الرجال انتهوا بخيانة بعض المخلصين لهم، وقد حاول الفرنسيون أن يجدوا خائناً يغتال الأمير أو يضع له السم فباؤوا بالفشل. فهو محاربٌ مِقْدَام لا تجده إلاّ متقدّماً أمام الجميع، وهو في نظر البعض مجاهدٌ يطلب الموت لتوهب له الحياة. ولذلك لم يكن بحاجة إلى حراسة ولا بوابين. وقد وصفه الواصفون عندئذ بأنه كان بسيط اللباس والأكل والمظهر، وأن التواضع والزهد والذكاء والحزم من سماته، وأن في إمكانه أن يأكل (الكسكسي) تحت أية خيمة (وهي أكلة جزائريّة مشهورة)، وأن يشرب من أي نهر ومن أي كوب يشاء دون أن يخاف سماً، وأن يضع رجله حيث يشاء دون أن يخشى كميناً من أحد [بوجولا (دراسات) 2/ 103]. فهو فارس الفوارس وحامي الذِّمار وربُّ السيف والشعر.

إنّ كبار العسكريين الفرنسيين الذين حاربوا الأمير (وكذلك وزيرهم للحربية ـ الماريشال سولت) قد فهموا جيداً خطّة الأمير، وعملوا ما في وسعهم على عرقلة تنفيذها لأنها تُخرجهم من الجزائر، وتُعيد مجدَ الإسلام، وتبعثُ تيارًا جديدًا اسمه القوميّة العربية. وقد تعاونوا في ذلك، كما قلنا، مع الكنيسة والماسونية وأغبياء المسلمين (سلاطين وعلماء) لكسر شوكة الأمير، الممثل لهذا الفجر الجديد. ولنرجع إلى كتابات بوجو، وسولت، وفاليه، ودوفيفييه، ولاموريسيير الخ. فإن فيها الجواب اليقين عمّا كانوا يحسونه منه ويلاحظونه عليه في هذا المجال، وكيف خططوا وعملوا على إطفاء شعلته قبل أن تحرقهم)).انتهى كلام د. سعد الله.

ويقول هنري تشرشل (البريطاني المسيحي): ((إن سياسة عبد القادر السامية لا تستطيع صبرًا على هذا الخرق الفاضح لمبادئ القرآن الواضحة الصريحة. إن ذلك الكتاب المقدس لم يُؤيّد ولم يُقرّ مبدأ الخضوع. فشعاره الذي لا يقبل المساومة ولا الرحمة هو الانتصار أو الموت والسيف في اليد في سبيل الله. ولمّا كان عبد القادر مفسِّراً غيوراً، ومدافعاً جسوراً عن ذلك الكتاب المؤثر بكل عظمته البطولية، فإنّه قد جعل واجبه الأساسي حمايةَ القرآن بيقظةٍ لا تعرف الكلل ولا التواني، ومقابَلَةَ أبسط خروج عن مبادئه بشدة لا تعرف التراجع)).انتهى [(حياة الأمير لتشرشل) ترجمة سعد الله ص69]

ويروي تشرشل ردّ الأمير على الجنرال تريزل وفيه: (( .. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ ديني يمنعني من السماح لمسلم أن يكون تحت سلطة المسيحي)).انتهى [المصدر السابق ص96]

وفي جواب آخر ((إن العرب لا يمكن أن يقبلوا حتى أن يسمعوا بالعيش تحت سلطة المسيحيين، ولو كانت سلطة اسمية، وإذا كانت فرنسا ساعية لوضع العربي تحتها بالقوة فمعنى ذلك أنها ستدخل حرباً لا نهاية لها)).انتهى [المصدر السابق ص110؛ الكاتب البريطاني يصوغ كلام الأمير بطريقته الإنكليزية فهم يستعملون كلمة عربي مقابل مسلم فتنبّه]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير