وكان يكفي الكاتب أن يعنون لتلك الفقرة كما عنون لها كل المؤرخين والعلماء من جميع المشارب بـ (انتهاء مرحلة المقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر).
ـ ومن أغرب ما وصف به كاتب المقال الأمير قوله: ((و ممَّا يُؤخذ على الأمير حبه للمال و السلطة الذينيخلطهما بحب العفو و المسامحة في أحيان كثيرة)).انتهى
لماذا لا يذكر لنا الكاتب مصادره التي يستقي منها معلوماته؟! فهذا الوصف لا يصدر إلاّ عن شخص معاصر للأمير يعرفه عن قرب، فمن أين حصل الكاتب على معلوماته هذه؟
المعروف عن الأمير والمشهور عنه أنه كان متقشفاً لا يلبس إلاّ البسيط من الثياب، ويُرى عليه ثوب واحد سنواتٍ طويلةً لا يغيّره! والمشهور والثابت عنه كثرة إنفاقه للمال في وجوه الخير، وقد مات وعليه ديون من كثرة ما كان يمنح الناسَ، علماءَهم وعامَّتَهم.
وانظروا كيف كان أعداء الأمير عبد القادر يصفونه!
يقول أحد المؤرّخين الفرنسيين: (( .. كان احتقاره للثروة وعزوفه عن مظاهر البذخ من المظاهر المميزة لشخصيّته)).انتهى [(المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر) لإسماعيل العربي ص218]
ويقول الجنرال بيجو (وهو من ألدّ أعداء الأمير) واصفاً الأمير: (( .. وقبل أن أدخل في الحديث معه، أخذتُ أتأمّل وجهه وكسوته لحظة. إنه شاحب اللون، وصورته قويّة الشبه بالصورة التقليدية المعروفة للمسيح. وعيناه مثل لحيته، كستنائيّة اللون. ومظهره العام يدل على التقوى والخشوع. وهو بعد النظرة الأولى يخفض عينيه ثم لا يحدّق في الأشياء أبداً. وأما كسوته فهي عادية ومستعملة في حدود ثلاثة أرباعها. إنه لمن الواضح أنّ الرجل يلتزم التقشّف والبساطة)).انتهى [المصدر السابق ص160ـ 161].
ومليحة شهدت لها ضرَّاتها ** والفضل ما شهدت به الأعداء
ويقول الكولونيل تشرشل: ((لقد كان عبد القادر معارضًا لكل المصاريف التي تصرف فيما لا فائدة فيه، حتى إنَّ المبلغ الذي اعتاد المسلمون أن يخصصوه للاحتفالات والمهرجانات في أهم الأعياد الدينية، وجَّهه هو إلى أغراض خيرية. ففي مناسبة ختان أحد أبنائه استغرب أهل (بروسة) أنه بدلاً من المسيرة الغالية العادية، مع كل ما تستلزمه من أُبَّهة وبهرجة الفرسان والأعلام والموسيقا، كان هناك جمعٌ من الفقراء مجتمعين أمام منزله يتلقون من يديه هدايا الخبز والملابس والنقود. إنّ هذا كان في عين عبد القادر أفضلَ احتفال بهذه الشعيرة المقدسة)).انتهى [حياة الأمير عبد القادر ص275].
وقد ذكر هذه الحادثة محمد باشا فقال: ((التمس (الأمير) من أعيان البلد (بروسة) أن يقيّدوا له أولاد الفقراء المحتاجين للختان فقيّدوا (يعني كتبوا) نحو الخمسمئة، فأمر بختانهم (مع أبنائه) على نفقته ... وتعجب أهل بروسة لأن من عادة أعيانهم أنهم يحتفلون للختان وسائر الأفراح بضرب الموسيقا والطبول والزمور، والأمير احتفل بكثرة الصدقات والمبرات فترى جماهير الفقراء والمحتاجين حول داره يتناولون أنواع الأطعمة والألبسة والدراهم، وكانوا على كثرتهم يرفعون أصواتهم بالدعاء له، وهو يقول اربعوا على أنفسكم واشكروا الله تعالى)).انتهى [تحفة الزائر 2/ 62]
وأمّا علماء المسلمين الذين ترجموا للأمير، فقد وصفوا شدة كرمه وسخائه وزهده. وسيأتي مزيد من التوضيح لهذه المسألة لاحقاً.إن شاء الله
******************************
قال صاحب (فك الشفرة): ((ورحل الأمير عبد القادر إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية، وبوعدٍ غير واضحٍ من الإمبراطور الفرنسي بتنصيبه إمبراطوراً على البلاد العربية)).انتهى
أقول: لماذا لا يذكر لنا الكاتب مصادر معلوماته؟
والمعلومة الجديدة هي وعد نابليون بتنصيب الأمير إمبراطوراً على البلاد العربيّة!!
لقد طالعت كثيرًا من الكتب (العربية والأجنبيّة) التي تحدّثت عن قصة تسريح الأمير، وليس في واحد منها هذه المعلومة!
¥