فلا ترتفع جهالة الراوي إلا برواية اثنين مشهورين، وفي التدريب للسيوطي رحمه الله: " [ثمَّ من روى عنه عَدْلان عيَّناهُ, ارتفعت جَهَالة عينه. قال الخَطِيب] في «الكِفَاية» وغيرها: [المَجْهُول عند أهل الحديث من لم يَعْرفه العُلماء] ولم يشتهر بطلب العلم في نفسه [ولا يُعرف حديثه إلاَّ من جهة] راو [واحد, وأقل ما يرفع الجَهَالة] عنهُ [رِوَاية اثْنين مَشْهورين] فأكثر عنه, وإن لم يَثبت له بذلك حُكم العدالة."ا. هـ
ونحن حتى اللحظة لا نعلم من روى عن السائح التركي سوى الشيخ نصيف رحمه الله وهو على شهرته واحد، فهذا السائح مجهول العين فضلاً عن الحال، فأنى لي أو لك أن نقبل قصة هذه حالها؟
أخي الكريم .. إن كلام الدكتور عن سند هذه القصة ومتنها هو أقوى حججه في نفيها وليس في القصة أن السائح -لو ثبتت عدالته- رأى بعينه ما يشهد به من إحراق الكتب، وليس فيها أنه سمع القصة من ثقة شهد الحادثة، ولو لم يكن من حجج الدكتور في نفيها سوى ذلك لكفى فكيف وقد ذكر غيرها من الحجج -حول متنها- التي لم ترد على بعضها رغم أنه ظاهر القوة مثل:
• تفرد السائح بهذه القصة دون كل من ترجم للأمير من عدو أو صديق هذا رغم أنها قصة غير عادية تتوافر الهمم والدواعي لنقلها.
• وكذلك: ما هي هذه الكتب التي أحرقت مخطوطاتها، ما أسماؤها وأين ذكرت؟
بقي الآن ما يتعلق بطلبك من الدكتور خلدون أن يبحث ويسأل عن هذا السائح حيث قلت له سابقاً:
أنا طالبتك باتباع المنهج التاريخي ما دام أنك تريد تصحيح التاريخ، فتقول لنا: بحثت في كل مكان - ولا سيما في تركيا - عن السائح التركي المذكور فلم أجد أحداً يعرفه!
فيا أخي الكريم -بارك الله فيك- نحن سمعنا عن رحلة العلماء منذ عهد الصحابة لطلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنني شخصياً لم أسمع عن رحلة العلماء للتعرف على أحوال الرجال، بمعنى أنني لم أسمع أن عالماً جاءته رواية -لحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم- في سندها رجل لا يعرفه فرحل لبلده للسؤال عنه وعن حاله، لكنه يقول فيه فلان ولا أعرفه -مثلاً- ثم قد يقرأ غيره كلامه فيقول لكن عرفه فلان وفلان ممن ذكروا ترجمة هذا الراوي.
مقصودي من الكلام أن الدكتور خلدون وغيره ممن يتصدى لتصحيح التاريخ كما قلتَ لو فعل ما تطلبه منه مع كل رواية حالها كحال رواية السائح التركي لأفنى عمره قبل أن يصل إلى حقيقة بضع حوادث.
فالخلاصة أخي الكريم: السائح التركي مجهول عند الدكتور فحكم على روايته بناء على ذلك، وليس مطالباً بالبحث عن هذا الرجل، ولكن على من يخالفه ويصحح هذه الرواية -ولست أعنيك شخصياً- أن يبين لنا سبب تصحيحه لها، وليس من هذه الأسباب المقبولة ما تفضلت به من أن هذه الرواية توافق ما هو معلوم عن الأمير من تصوف وميل لابن عربي، فلا يلزم من ذلك ثبوت القصة.
أخي الكريم إن انتقاد هذه القصة وتخطئة الدكتور خلدون للشيخ نصيف رحمه الله في قبولها شيء وكونه يتهمه بالكذب شيء آخر -بارك الله فيك- وهو أمر لم يثبت في كلام الدكتور ولم تأت عليه بدليل، فإن أغضبك بعض ما ذكره من نقد للشيخ رحمه الله فرد عليه ولكن دون أن تتهم الدكتور بلا دليل.
لكن الثابت أنه اتهم السائح بالكذب والافتراء واستغرب أن يقبل الشيخ كلامه، وأنا في الحقيقة لا أوافق الدكتور على اتهام السائح فربما أنه سمع بذلك عن غيره وربما وهم وربما وربما ... فنحسن الظن به إن شاء الله، وحسن ظننا به شيء، وثبوت القصة شيء، والرد على الشيخ نصيف رحمه الله شيء آخر.
= أما قولك إن تصوف الأمير عندك من البديهيات:
فلا يخفى عليك أن الكلام ليس عن التصوف بإطلاق بل عن القول بالحلول والاتحاد وليس هذا قول كل الصوفية؛ لا الصوفية السنية ولا الصوفية البدعية، بل هو قول الصوفية الفلسفية.
الأمر الثاني .. كيف يكون عندك من البديهيات والأمور البديهية إنما تعلم بدون نظر وإعمال فكر؟!
أخيراً
¥