تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وسبب إرسال الشيخين لتصحيح النسخة، أنّ الأمير لمّا اقتنى نسخة الفتوحات استشكل بعض العبارات فيها، وغلب على ظنّه أنها محرّفة أو مزيدة (هكذا ظن)، وذلك لأنّ المشهور والثابت أنّ ابن عربي عالمٌ كبير , وفقيه أصوليّ، وهو ظاهري المذهب، وهو الذي اختصر كتاب (المحلّى لابن حزم)، وله رسائل في أصول المذهب الظاهري، وكتبه ومؤلّفاته كثيرة جدًّا، إذن هو ليس من الجهلاء والمشعوذين أو أدعياء العلم المخرّفين، لذلك فإنّ الأمير شكّ في بعض العبارات فأراد أن يتيقّن من ثبوتها فأرسل من يطابق له المخطوط. فلمّا أتته النسخة محققةً، سلك في شرح العبارات الخطيرة الواردة فيها مسلك كثير من أهل العلم، الذين ذهبوا إلى قبول كلام ابن عربي الموافق للشرع، وأخذوا في تأويل كلامه الذي يخالف الشرع، وحمْلِه على محامل حسنة، وذلك من باب إحسان الظنّ به واستبعاد كون عالم مثله يتكلّم بما يُخالف الشريعة. هذا ما ذهب إليه القوم!

وفي أيّامنا هذه اجتمعتُ بشيخ من شيوخ التصوف المعروفين في الشام، وكان يمدح ويثني على ابن عربي كثيرًا، فسألتُه: ما تقول في وحدة الوجود؟ فأجابني قائلاً: "وحدة الوجود بمعنى أنّ كل ما في الكون هو عينُ الله، الشجر والبشر والحجر، هي كفرٌ وقائلها كافر!! وكلام ابن عربي ليس على هذا المعنى".انتهى

إذن هكذا يعتقد هذا الرجل المعظّم لابن عربي، فهل يجوز لي بعد أن سمعتُ منه أن عقيدة وحدة الوجود كفرٌ وقائلها ومعتقدها كافر، أن أصفه بأنه على عقيدة وحدة الوجود لأنّه يعظّم ويوقّر ابن عربي؟! لا يجوز هذا أبدًا.

إنّ العلاّمة جمال الدين القاسمي، رحمه الله، أحد أكبر علماء السلف في بلاد الشام، بل هو رائد التوجه السلفي فيها، كان يستشهد في كتبه ومؤلّفاته بكلام ابن عربي في "الفتوحات المكّية"، ويصفه بالشيخ الأكبر قُدِّس سرّه! [انظر (قواعد التحديث) ص359]، فهل سيجرؤ أحد على وصف العلاّمة القاسمي بأنّه على مذهب ابن عربي لأنه يحترمه ويستشهد بكلامه؟!!

هذا سيكون من البلاء العظيم، والشر الجسيم!

وهذا المسلك الذي سلكه الأمير وغيره، سلكَه مِنْ قبلهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنّه كان إذا وقف على كلام مُريب وفاسدٍ في ظاهره لأشخاص يرى أنهم من أهل الصلاح أو العلم، يؤوله أو يلتمس لهم الأعذار، ولا يطعن فيهم!

مثال: قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: ((فهذا التوحيد: هو الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، وإليه تشير مشايخ الطريقة وعلماء الدين؛ لكن بعض ذوي الأحوال قد يحصل له في حال الفناء القاصر سكرٌ وغيبة عن السِّوى؛ والسكر وجدٌ بلا تمييز.

فقد يقول في تلك الحال سبحاني أو ما في الجبة إلا الله أو نحو ذلك من الكلمات التي تؤثر عن أبى يزيد البسطامي أو غيره من الأصحّاء، وكلمات السكران تُطوى ولا تُروى ولا تؤدّى؛ إذا لم يكن سكره بسببٍ محظور من عبادة أو وجه منهي عنه. فأما إذا كان السبب محظورًا لم يكن السكران معذورًا لا فرق في ذاك بين السكر الجسماني والروحاني فسكر الأجسام بالطعام والشراب، وسكر النفوس بالصور، وسكر الأرواح بالأصوات)).انتهى [الفتاوى 2/ 461]

وفي معرض حديثه عن مذهب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، ووروده في كلام ابن عربي وغيره قال: ((وكثير من أهل السلوك، الذين لا يعتقدون هذا المذهب: يسمعون شعر ابن الفارض وغيره، فلا يعرفون أن مقصوده هذا المذهب، فإن هذا الباب وقع فيه من الاشتباه والضلال، ما حيّر كثيرًا من الرجال)).انتهى [الفتاوى 2/ 297]

ويقول ابن تيمية: ((ولهذا قال أهل العلم والدين، كأبي يزيد البسطامي وغيره، لو رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي، وقال الشافعي لو رأيتم صاحب بدعة يطير فى الهواء فلا تغتروا به)).انتهى [الفتاوى 11/ 666]

وقال شيخ الإسلام: ((قد جمع أبو الفضل الفلكي كتابًا من كلام أبي يزيد البسطامي سمّاه "النور من كلام طيفور" فيه شيء كثير لا ريب أنه كذب على أبي يزيد البسطامي، وفيه أشياء من غلط أبي يزيد، رحمة الله عليه، وفيه أشياء حسنة من كلام أبي يزيد وكل أحد من الناس يؤخذ قوله ويترك إلا رسول الله)).انتهى [الفتاوى13/ 257]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير