تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم بعد مدة طويلة عفت الحكومة عنهم على أنهم لا يعودون إلى أمثال هذه الرذيلة، ولا إلى الملابس البذيلة، فعاد المترجم إلى قريته، ومحل إقامته وخدمته، ورجع إلى حاله الأول وما رجع عن زيغه ولا تحول، فأعرض عنه أهل البلد ونصبوا له شرك النكد، إلى أن فصلوه، ووضعوا مكانه تلميذه وبمصلحته وصلوه، فعاد المترجم بعياله إلى الشام، وتزايد أمره بما يقتضي الاعتراض والملام، إلا أنه قد ضاقت يده، وهبط قدره وسؤدده، وذهب جماله وسقط كماله، فذهب إلى داريا يقري الأولاد، ودنياه تعامله بعكس المراد، وذلك كله لاتّباعه الباطل، وتمسكه بما ليس تحته سوى الشقاء من طائل، وكنت أنصحه بالرجوع إلى المطلوب، فيقول لي أنت عن الحقيقة محجوب، لو قطع رأسي وتفصلت أوصالي لا رجعت عن طريقي وحالي. فمرة كنت أمشي وإياه في الصحراء فرأى امرأة قروية قد لبست لباساً أحمر فقال لها يا حبيبي عملتَ نفسكَ امرأة ولَبِسْتَ اللباس الأحمر! ومرة رأى هرًا فصرخ وقال له عملتَ نفسكَ هرًّا وتظن أني ما عرفتك. وكان يقول عن إبليس إنسان كامل. وأمثال هذا كثير، مما لا يقول به جليل ولا حقير، ويقول للاّئمين أنتم أهل الرسوم، المتمسكون بظاهر العلوم، ونحن الصوفية أهل الطريقة، والوجدان والحقيقة. وما علم أن ذلك من أكبر الغلط، ومن قال به فقد سلك مسلك الشطط، وهل تجدي من غير شريعة طريقة، أو تصلح بما لا تمسك له بالقرآن والسنة حقيقة. قال صاحب الأسفار في شرحه على رسالة الخلوة للشيخ الأكبر قدس الله سرهما: (("وصية" يا أخي رحمك الله قد سافرت إلى أقصى البلاد، وعاشرت أصناف العباد، فما رأت عيني، ولا سمعت أذني، أشرّ ولا أقبح ولا أبعد عن جناب الله من طائفة تدعي أنها من كمل الصوفية وتنسب نفسها إلى الكمال، وتظهر بصورتهم، ومع هذا لا تؤمن بالله ورسله ولا باليوم الآخر ولا تتقيد بالتكاليف الشرعية، وتقررُ أحوال الرسل وما جاءوا به بوجه لا يرتضيه مَنْ في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، فكيف من وصل إلى مراتب أهل الكشف والعيان، ورأينا منهم جماعة كثيرة من أكابرهم في بلاد أذربيجان وشيروان وجيلان وخراسان لعن الله جميعهم*، فالله الله يا أخي لا تسكن في قرية فيها واحد من هذه الطائفة، لقوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}،وإن لم يتيسر لك ذلك فاجهد أن لا تراهم ولا تجاورهم فكيف أن تعاشرهم وتخالطهم؟ وإن لم تفعل فما نصحتَ نفسك والله الهادي)).انتهى، وما زال المترجم على حاله خائضًا في أوحاله، إلى أن تمرض وتوفيرابع عشر جمادى الأولى سنة ألف ومائتين وأربع وتسعين. ودفن في جوار سيدنا بلال الحبشي نسأل الله أن يكون رجع عمّا كان عليه وتاب إلى الله وآب إليه)).انتهى [حلية البشر 2/ 669ـ673]

*وقد علّق الشيخ محمد بهجة البيطار، من شيوخ دمشق السلفيين، على هذا الكلام فقال: ((أقول:وقد وصل شرّهم وضرّهم إلى أرض الشام، وسمعنا ورأينا بعض من يرتكب تلك الآثام، عليهم من الله ما يستحقّون)).انتهى

والشيخ بهجة البيطار يصف الأمير عبد القادر فيقول: ((العالم المجاهد الكبير. وعين الشام وهامها وسيدها وهمامها)) وليس في كلامه عليه إلاّ الثناء والتوقير!! [وذلك في تعليقاته على (حلية البشر)]

وحين ترجم الشيخ عبد الرزاق للأمير: فإنه أثنى عليه الثناء كلّه وبالغ في مدحه، ولم يشر إلى أي شيء يخدش دينه. ولا أريد الإطالة في عرض وإيراد كل ما قيل في الأمير من الثناء والمدح.

ولكن هناك هام أمرٌ أحب أن أنبّه عليه:

وهو أنّ الشيخ عبد الرزاق البيطار يُعدُّ في ذلك العصر من أوائل علماء الشام الذين أخذوا بمذهب السلف، ولاقى بسبب ذلك كثيرًا من الفتن والمصائب، وعاداه كثير من شيوخ الشام، واتّهموه بتأسيس مذهب جديد، وكذلك كان الحال مع تلميذه العلاّمة جمال الدين القاسمي الذي سُجن وحُورِبَ بسبب عقيدته السلفيّة، ومحاربته للخرافات والانحرافات!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير