مع العلم أنّ هؤلاء أوردوا هذه الحكاية معتقدين بها، بدليل أن الإمام ابن قدامة قال خلال حديثه عن آداب زيارة القبر الشريف والأدعية التي يستحب ذكرها: ((اللهم إنك قلت وقولك الحق: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا} وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي، مستشفعًا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة، كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم اجعله أول الشافعين، وأنجح السائلين، وأكرم الآخرين والأولين، برحمتك يا أرحم الراحمين)).انتهى [المغني 5/ 467]
فما قول الأخ الكاتب؟ وأنا أسوق هذه القصّة لوجه التشابه مع قصة الأمير.
وماذا سيقول إذا قرأ قول عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل؛ قال "سمعتُ أبي يقول: حججتُ خمس حجج منها ثنتين [راكبًا] وثلاثة ماشيًا، أو ثنتين ماشيًا وثلاثة راكبًا، فضللتُ الطريق في حجة، وكنتُ ماشيًا فجعلتُ أقول: يا عباد الله دلّونا على الطريق؛ فلم أزل أقول ذلك حتى وقعتُ على الطريق!!!، أو كما قال".انتهى [مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله ص245]
وماذا سيقول إذا قرأ كلام الإمام ابن القيّم؟ قال ابن القيّم: ((فصل: ومن الرُّقى التي ترُدُّ العين ما ذكر عن أبي عبد الله الساجي، أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فَارِهة، وكان في الرفقة رجلٌ عائن، قَلَّما نظر إلى شيء إلا أتلفه، فقيل لأبي عبد الله: احفَظْ ناقَتك من العائن، فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل، فأُخْبِرَ العائِنُ بقوله، فتحيَّن غيبة أبي عبد الله، فجاء إلى رحْله، فنظر إلى الناقة، فاضطربت وسقطت، فجاء أبو عبد الله فأُخْبِرَ أن العائنَ قد عانها، وهي كما ترى، فقال دلُّوني عليه، فدُل، فوقف عليه، وقال: بسم الله، حَبْسٌ حَابسٌ، وحَجَرٌ يابِسٌ، وشِهابٌ قابسٌ، رَدَدْتُ عينَ العائن عليه، وعلى أحبِّ الناس إليه!!!، {فارجعِ البصرَ هل ترى من فُطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير} فخرجتْ حدقتا العائن!!!، وقامت الناقةُ لا بأس بها)).انتهى [زاد المعاد 4/ 174]
إنّ هذه القصص (وهناك الكثير من مثلها) أغرب بكثير من القصّة التي ساقها الأخ الكاتب عن الأمير، وعلى طريقة الاستنتاج التي يعتمدها الكاتب يمكن للبعض أن يصف هؤلاء العلماء بالانحراف والاعتماد على الخرافة والأوهام، وتبني عقائد باطلة!!
إنّ عدم قبول الكثير من العلماء لأمثال هذه القصص لم يحملهم على الطعن برواتها أو القائلين بها، وإنما اكتفوا بنقدها وعدم الرضا بحجيتها، مع الاعتذار للعلماء الذين احتجوا بها أو رووها.
وعلينا ملاحظة أنّ القصّة السالفة المروية عن الإمام أحمد سندها صحيح وهي في غاية الغرابة، فمن يُنادي؟ وبمن يستعين؟ ومع ذلك لا نجد أحدًا يطعن في توحيد الإمام أحمد أو في معتقده لأجل هذه القصة.
والأغرب منها قصّة ابن القيّم رحمه الله، فهي تشتمل على مخالفات شرعية إضافة إلى أسطوريتها وخرافيتها!! ومع ذلك فنحن نلتمس العذر للإمام وذلك من باب حسن الظن به، ولدينه وعلمه.
والغرض من كل ما سبق أن الباحث الذي يريد أن يتكلّم في الرجال وفي التاريخ يجب عليه أن يلتزم منهجًا ثابتًا وميزانًا واحدًا، وإذا كان من المسلمين فإنّ دينه يحتّم عليه ذلك لأنّ الدين هو تقوى الله وهو العدل والإنصاف، فمن غير المقبول أن يطعن في رجل بسبب قصّة ما، ولا يطعن بآخر يعتقد القصة نفسها. لأنه إذا كان الإنسان يتعامل مع الأشياء بعدل وتجرد بعيدًا عن التعصب والأهواء فإنّ حكمه سيبقى واحدًا لا يتغير مع تغير الأشخاص المحكوم عليهم.
فإمّا أن يكون الحكم منصرفًا إلى القصّة بحد ذاتها فيُقال عنها قصة باطلة أو غير صحيحة أو لا تجوز شرعًا، دون التعرض للأشخاص المحتجين بها. وإما أن يُحكم على الأشخاص بسببها حكمًا واحدًا لا يتغيّر بتغيرهم.
والحمد لله ربّ العالمين
خلدون مكّي الحسني
للبحث صِلة إن شاء الله
ـ[أبو إدريس الحسني]ــــــــ[09 - 10 - 08, 02:02 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة التاسعة
والآن مع السبب الرابع الذي وضعه الأخ محمد مبارك كاتب (فك الشيفرة) لتعليل التحول في شخصية الأمير؛ قال الكاتب:"حب الأمير للسلطة وبالتالي احتياجه الشديد للمال".انتهى
¥