ثمّ نقلَ قول عبد الجليل التميمي: ((إن المتتبع لحياة الأمير عبد القادر بدمشق، سوف يثير انتباهه تكالب الأمير على اقتناء الدور والأراضي الفلاحية، والحصول على المال مهما كانت الوسائل المتبعة في ذلك. ففي البداية أقرت الحكومة الفرنسية منح الأمير راتباً سنوياً بما قدره 15.000 فرنك فرنسي (كذا)، وقد بلغ مع السنين ما قدره 300.000 فرنك فرنسي وهو في ذلك الوقت مبلغ خيالي للغاية، بل يفوق ميزانيات كثير من المصالح الحكومية العثمانية، ولسنا من السذاجة بحيث نعتقد أن ذلك الكرم الفرنسي إنما كان حُباًّ من الامبراطورية الفرنسية لشخص الأمير عبد القادر، و تقديراً منها لجهاده ضد الفرنسييين، دون أجندة عمل فرنسية كان الأمير ـ في المقابل ـ مطالبٌ (كذا) بتنفيذها بكلِّ دقَّة، ولعلَّ تلك الأجندة قد أسفرت عنها المواقف الأميرية المتضامنة مع المصلحة الفرنسية "العليا" خلال ما سيمر بنا من الأحداث المتتالية!!!)).انتهى
(والأخ محمد المبارك ينقل كلام التميمي من كتاب الماسوني إسكندر شاهين، فيما يبدو، دون الإشارة إلى ذلك!! والله أعلم)
وأقول: مازال الأخ كاتب (فك الشفرة) يصر على وضع الأوهام التي في ذهنه بصورة عناوين ثم يحتار كيف يأتي بما يبرهن عليها!
فهاهو يعود لاتهام الأمير بأنه يحب السلطة ـ وهو اتهام لم يُسبق إليه ـ والعجيب أنه يستدل بكلام لآخرين ليس فيه أنّ الأمير يحب السلطة!!
وقد بيّنت سابقًا عدم حرص الأمير على تكبير وارده المالي، وعدم سعيه للسلطة في الحلقات السابقة.
على كل حال، إن عبد الجليل التميمي كاتب من هذا العصر فهو طبعًا لم يعاصر الأمير ولا أبناءه وهو في كثير مما كتب لم يكن متحريًا للحق، وهو متحامل فيما يبدو على الأمير إلى درجة أنه يبالغ في تخيّلاته وتحليلاته المبنية على أسس باطلة وكتابات فرنسية زائفة، بل إنّ الاتهامات التي وجهها للأمير لا وجود لها حتى في تلك الكتابات، وأمَّا ألفاظه! فالقارئ يلمس تدنّيها!
وعلى كل حال إنّ وصف الأمير بأنه متكالب على شراء الأراضي والدور، عجيب.
إن الأمير لم يكن مختلفًا عن غيره من أصحاب الأموال في عدد ما يملكه من عقارات، بل إن بعض أثرياء الشام كانوا يملكون أكثر منه بكثير، مع أنه يختلف عنهم في حجم مسؤولياته وأضيافه ومبرّاته!
وإنّ كثيرًا من الأراضي التي اشتراها إنما كان يهبها للذين رافقوه من الجزائر أو للمهاجرين الذين لحقوا به، وبعضها كان لتأمين فرص العمل لهم، وقد أوقف الكثير منها للجزائريين المهاجرين، فمثلاً هناك قرية "الهوشة" في فلسطين اشتراها الأمير ووهبها للجزائريين هناك، وكذلك الأمر في أطراف دمشق وغوطتها، كما اشترى طاحونة (الإحدى عشريّة) وجعلها لتوفير حوائج الفقراء , وهكذا.
وإذا قارنا بين أملاك الأمير وأملاك كبار التجار والوجهاء في الشام لوجدناها قليلة، فقد كان لبعضهم قرىً كاملةٌ وقصورٌ فارهة وأكياس مكدّسة من الذهب. فما بالك بالولاة العثمانيين والباشاوات؟
إنّ دار الأمير الكبيرة التي في زقاق النقيب بحي العمارة والمقرّ الرئيسي له يسميها البعض قصر الأمير! (ودور الأمير سمّيت قصورًا لأن ساكنها هو الأمير لا لأنها تشبه القصور) وبمقارنة بسيطة بينها وبين قصر أسعد باشا العظم الشهير بدمشق يتبيّن الفارق الكبير جدًا بينهما. فقصر الأمير لا يعدو أن يكون بيتًا كبيرًا واسعًا قياسًا إلى بيوت الطبقة المتوسطة في دمشق، في حين أنّ قصر (العظم) هو قصر بكل معنى الكلمة، فمساحته كبيرة جدًا وفيه حدائق كثيرة وساحات وباحات وبحيرات ماء متعددة وأجنحة وغرف وكله أقواس ومقرنصات مذهّبة وأسقف أخشبية موشّاة بالذهب والصدف، واللوحات الفسيفسائية وغيرها .. يحتاج المرء ساعات طويلة حتى يتجول في أنحائه.وهو من المعالم المعمارية الأثرية في دمشق. وليس شيء من ذلك في دار الأمير.
وانظروا إلى طريقة التهويل التي اتبعها التميمي، فهو يضاعف الأرقام من عند نفسه من (150.000) إلى (300.000) ثمّ يقول: ((وهو في ذلك الوقت مبلغ خيالي للغاية، بل يفوق ميزانيات كثير من المصالح الحكومية العثمانية)).انتهى
¥