أرأيتم إلى التهويل! وحتى أبيّن لكم حجم تلك الأرقام، أقول: لقد اشترى ميشال بوشناق ـالتاجر اليهودي الجزائري ـ حليةً من فرنسا بمبلغ (30.000) فرنك، وباعها لباي قسنطينة بمبلغ (3.520.000) فرنك، أي بربح يقرب من ثلاثة ملايين وربع المليون!! (وهذا في عصر الأمير عبد القادر) [المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر) لإسماعيل العربي ص8]
فإذا كان والي مدينة من مدن الجزائر يشتري حلية بملغ (3.520.000) دفعة واحدة، فكيف ساغ للتميمي أن يزعم أن مبلغ (300.000) وهو أقل من عُشر ذلك المبلغ، يفوق ميزانيات كثير من المصالح الحكوميّة العثمانيّة؟!
وفي الحقيقة إنّ ما ذكره التميمي غير صحيح أصلاً!
فقد فرضت فرنسا للأمير مبلغًا قدره (5.000) ليرة ذهبية فرنسية في السنة! وهي تساوي (100.000) فرنك، ثمّ بعد سنوات ولمّا تبيّن للحكومة الفرنسية أن ذلك المبلغ لا يكفي لسدّ نفقات الأمير (الذي يُنفق على أسرته ومن لحق به من المهاجرين وبعض أهل الشام)، زادوا المبلغ بالاتفاق مع السلطان العثماني، فصار (7.500) ليرة ذهبية في السنة وهي تساوي (150.000) فرنك في السّنة،وهذا آخر ما تلقّاه الأمير.
والتميمي قام بمضاعفة الرقم من (150.000) إلى (300.000) جهلاً منه أو لأغراض أخرى!
إذن الرقم الحقيقي والثابت في جميع المراجع المعتمدة هو (150.000)؛ وكما بينتُ آنفاً فإنّ هذا الرقم ـ وإن كان كبيرًا ـ فهو ليس بالكبير جدًّا فضلاً عن أن يكون خياليًا كما يظن التميمي!
إنّ رجلاً واحدًا من رجال الكنيسة الفرنسية الذين أقاموا في الجزائر وهو (الأسقف ديبوش) كان يتقاضى راتبًا سنويًا قدره (25.000) فرنك! بصرف النظر عن واردات الكنيسة الخاصة. [الحركة الوطنية ص387]
ولكي تتضح الصورة أكثر أقول: لقد كان المرتّب الذي يتقاضاه خلفاء الأمير الثمانية في الجزائر أثناء حكم الأمير لها، يبلغ (52.800) فرنك سنويًا، هذا بصرف النظر عن التموين واللباس والنفقات المتفرقة. [انظر المقاومة الجزائرية ص220]
ثم يحاول التميمي أن يتحذلق فيقول:"ولسنا من السذاجة بحيث نعتقد أن ذلك الكرم الفرنسي إنما كان حُباًّ من الامبراطورية الفرنسية لشخص الأمير عبدالقادر، و تقديراً منها لجهاده ضد الفرنسييين، دون أجندة عمل فرنسية كان الأمير ـ في المقابل ـ مطالبٌ بتنفيذها بكلِّ دقَّة،و لعلَّ تلك الأجندة قد أسفرت عنها المواقف الأميرية المتضامنة مع المصلحة الفرنسية "العليا" خلال ما سيمر بنا من الأحداث المتتالية!!! "
وأقول: صدق أبو الطيب عندما قال:
إذا ساء فِعْلُ المرء ساءت ظُنُونُه ... وصدَّق ما يعتادُهُ من تَوَهُّمِ
وعادى مُحبّيه بقول عُدَاته ... وأصبح في ليلٍ من الشك مظلمِ
أيها الإخوة سأعرض لكم بعض الوقائع حتى يتضح لكم حجم تلك الأرقام وسبب دفعها.
بعد دخول القيادة الفرنسية إلى مدينة الجزائر سنة 1830م قامت بنهب خزينة المدينة وكان فيها ما مقداره (400.000.000) أربعمئة مليون فرنك فرنسي كما ذكرت ذلك المصادر الفرنسية [مذكرات شانكا رنييه] انظر (الحركة الوطنية الجزائرية لسعد الله ص22).
ولكي تتوضح الصورة أكثر، فإن الداي علي باشا الذي كان قد نقل مقر الحكم من قصر الجنينة إلى أعالي القصبة، استعمل لنقل محفوظات الخزينة خمسين بغلاً كل ليلة طَوال خمسة عشر يومًا!!! [المرجع السابق ص21].
وفي سنة واحدة كانت واردات الأوقاف الإسلامية التي اغتصبتها فرنسا في مدينة الجزائر العاصمة وحدها قد بلغت حسب إحصاءاتهم (1.035.914.25) فرنك!! [انظر تابلو سنة 1842،ص298] (الحركة الوطنية لسعد الله ص257).
هذه مدينة واحدة فما بالكم بمدن الجزائر جميعها؟ بل وقراها ومزارعها. طبعًا هذه كانت أموالاً جاهزة، ولكن فيما بعد توالت الغلال وثروات الجزائر لتصب في الخزينة الفرنسية وهي بالمليارات، ((وكما صرّح الفرنسيون أنفسهم أنهم لم يقوموا بحملة سابقة في أي مكان مثل حملة الجزائر إذ إن الحملات الأخرى كانت تكلّفهم ـ ولو نجحوا فيها ـ أموالاً طائلة وخسائر مالية معتبرة، بينما حملة الجزائر قد فاضت على تعويض التكاليف)) [المرجع السابق ص21]
¥