تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وصادف عندما أشرف القطار على محطّة (العُلا) أنّ الأمير التفت إلى أحد كبار مرافقي البعثة الأتراك وهو (سامي بك) متصرّف (نجد) وأراد أن يتحقق من سلامة الطريق و .... وقال له:"يا سامي بك هل طريقنا جميعه في أمان؟ أم هو محفوف بالأخطار؟ وما هي تفاصيل مخطط السير؟ "

فأومأ سامي بك إلى الأمير أن يخرجا معاً إلى رواق القاطرة، وظنّ الأمير أنّ مثل هذا الحديث عن مخطط الرحلة يجب أن يبقى سرًا لا يبلغ مسامع الجنود خشية الجاسوسية وافتضاح الأسرار، فترك مقعده، وانتحى بمتصرّف نجد ناحيةً ودار بينهما حديثٌ لم يسمعه غيرهما:

سامي بك:"يا سمو الأمير إني أقدّر فيك وطنيتك وأعترف بشجاعتك، ولأنك أمير من سلالة الأمراء فمن واجبي أن أصدقك القول ولا أخدعك. ليس هدف هذه البعثة الألمانية الذهاب إلى إفريقيا الشمالية، وإنما هدفها الوصول إلى مستعمرات ألمانيا في إفريقيا الوسطى، ولها مهمة خاصة في البلاد العربية، فقد زوّد جمال باشا الجنرال الألماني بصلاحيات واسعة في الجزيرة العربية! وسوف تصل هذه البعثة إلى المدينة المنوّرة، مدينة الرسول عليه السلام، وستدخل هذه البعثة الأماكن المقدسة!! وطريقها هذا سرٌّ لم يطلعوك عليه"

وكان الإيمان والحماس الديني باديًا على وجه والي نجد وهو يتحدَّث، فأطرق الأمير سعيد هنيهة، وعلِم أنّ حديث قنصل ألمانيا في حيفا له وحديث جمال باشا، والرسالة التي يحملها، وجواب عبد الكريم باشا في الطريق، كان كله مؤامرة عليه، وخشي أن تكون أوامر جمال أن يقتله في الطريق.

فالتفت إلى محدِّثه وقال له:"ولكن هل يجوز لك أن ترافق هذه البعثة وأنت تعلم هدفها، وتسمح لها أن تكشف عورات المسلمين في أماكنهم المقدسة؟ .. "

سامي بك:"نحن مأمورون وليس باستطاعتي الرفض، مع أن سير البعثة إلى الحجاز ليس من رأيي"

الأمير:" وكيف السبيل إذن لنمنعها من تحقيق برنامجها؟ "

سامي بك:"اكتب برقية سريّة إلى محافظ المدينة المنورة وأخبره أن يحذّر الجنرال الألماني من القدوم إلى المدينة، والمحافظ لا بد وأن يثق فيك لمكانتك الممتازة في قلوب الجميع"

الأمير:"حسنًا! عندما أنزل مدينة (العُلا) سأبرق إلى بصري باشا والي المدينة البرقية التالية: (أنا مع بعثة ألمانية مُرادها المرور من المدينة المنورة، وذلك فيه ضرر على مصالح الدولة، فأرجو أن تعارض قدومنا ببرقية جوابية بقولك إن مرورنا من الأراضي المقدسة فيه خطر على حياتنا وعلى هياج السكان)

ونجحت الخطة، فإن جواب بصري باشا والي المدينة وصل كما نرجو؛ واطّلع الجنرال الألماني على فحواه، وتمتم وكأنه أدرك أن في الأمر سرًّا، وأخذ ينظر إلى الأمير سعيد شَزْرًا، ورضي أن يغيّر خطة سفره، وأن يتجه إلى ساحل البحر الأحمر، فيكون طريقه إلى الجنوب بحريًا على حذاء الشواطئ العربية ثم تأخذه نقّالة بُخارية إلى الشواطئ الإفريقية حيث يصل إلى هدفه.

وفي (العُلا) كلّف رِفادة باشا شيخ عشيرة (البلي) أن يُهيّئ قافلة للبعثة، وأن يؤمن بمفرده سلامة البعثة من (العلا) إلى (الوجه) على ساحل البحر الأحمر.

وبعد سبعة أيام من رحلة صحراوية بحماية ورفقة رفادة باشا أشرفت البعثة على (الوجه)، وهنا بدأت الخلافات بين قائد البعثة الجنرال الألماني وبين الأمير سعيد فقد رفض الأمير الخضوع لأوامر الجنرال بتركه البعثة والسير مع القافلة التي تحمل العتاد والذخيرة، ذلك لأن هذا ليس من خصائص الأمير، فالأمير مرافق للجنرال وليس مرافقًا للمؤن والحاجيات، وخاصة أن ذلك يسير بحماية رفادة باشا.

وفي (الوجه) وزّع الجنرال رجاله على ثلاثة مراكب شراعية، وضَعَ الأمير في أحقرها، ولم يكتف بذلك، بل كان نصيب الزورق الذي يُقِلّ الأمير أن يحمل جميع ما تحمله البعثة من مواد متفجرة وبنزين، فشعر الأمير أن الجنرال يضمر له الشر، وأن أقل حادثة يمكن أن تفجر البارود أو تحرق البنزين وبذلك تنتهي حياة المركب ومَنْ عليه ... وبعد أربعة أيام من رحلة بحرية وصلت البعثة إلى (ينبُع)، فنزل الجنرال وقام بمهمة خاصة لم يدر الأمير شيئًا عنها لأنه مُنِعَ من النزول إلى البر، وكذلك مُنع من أن يطأ اليابسة عندما وصلت البعثة إلى (جُدّة)، وحاول الجنرال أن يفعل مثل ذلك عندما وصلت إلى (القنفذة)؛ أحد موانئ (عسير)؛ بعد سير سبعة عشر يومًا، ولكن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير