تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأمير، مخالفًا لجميع الأوامر الصادرة إليه، غادر المركب ومعه خادمه الخاص (مسعود الجزائري) وبقي في (القنفذة) رافضًا جميع المحاولات التي قام بها الجنرال ليحمله على تغيير عزمه، وكاد الخلاف ينتهي بينهما إلى تحكيم النار والبارود، واضطر عبد الكريم باشا الألماني إلى ترك الأمير في (القنفذة)، وأن يتابع سيره دونه.

عرّف الأمير بنفسه لشيخ (القنفذة)، فاحترمه أيما احترام، وقدّم له المعونة الكافية، وأرسل من يرافقه إلى مدينة (الليث)، وهنا اتصل الأمير بالقائمقام فأكرم وفادته، وقدّم له الرواحل وأدِلاَّء ليسير إلى مكة ومنها إلى المدينة ثم يعود أدراجه إلى دمشق.

وفي مكة كانت أولى مقابلات الأمير سعيد بالشريف حسين شريف مكة، ولم يكن الأمير على علم بمساعي بريطانيا لتهيئة الثورة العربية، ومفاوضاتها للشريف حسين. فظنّ الأمير أن واجبه المقدس أن يُقنع الشريف بضرورة تأييد الدولة العَليّة صاحبة الخلافة الإسلامية، فبعد أن أكرمه الشريف وأنزله في جناح خاص من قصره بمكة المكرمة، اجتمع به، وكان مما قاله الأمير بعد التعارف وتبادل عبارات الترحيب والشكر:

الأمير:"أنت تعلم أن الصليب يحارب الهلال اليوم. وأنت ابن رسول الله. فيجب أن تكون على وفاق مع الخليفة العثماني"

الشريف:"ولكن الاتحاديين كَفَرَة لا يتبعون تعاليم الدين، ولقد قاوموني. ولقد حاول الوالي وهيب باشا قتلي، وهاجمني في قصري، ووضع يده على أوراقي ورسائلي الخاصة"

الأمير:"ولكنك يا شريف! أنت ثاني رجل في الدولة العلية بعد الخليفة، وإذا حدث للحكومة حادث فلا أحق منك أن يتقلدها، لنسبك من رسول الله، ولمقامك العظيم عند جميع المسلمين، ومن لنا أمير غيرك إذا أصيب الخليفة؟ "

الشريف:"أبداً! أبداً! لا أطمع بالملك، ولا أطمع بمنصب يزيد عن حماية الكعبة الشريفة"

الأمير:"أنا على رأيك أيها الشريف، لسوء إدارة الاتحاديين، وإني أكره جمال باشا شخصيًا، ولكن أرى أن واجبي في تأييد الخليفة الشرعي ... "

وأخذ الأمير يشرح للشريف حسين ما جرى له مع جمال باشا وتفصيلات الرحلة الشاقة ... وانتهى الأمر بالشريف حسين أن فوّض إلى الأمير سعيد أن يُحسِّن العلاقات بينه وبين جمال.

وقد حمل الأمير سعيد ذلك إلى جمال باشا في دمشق ومهّد السبيل للتفاهم بين الطرفين. والراجح أن اتفاق جمال باشا مع الشريف فيصل ابن الشريف حسين في دمشق؛ يوم أقام فيصل في دمشق كان على أثر وساطة الأمير سعيد.

وقد جاء وصف هذه المقابلة ونتيجتها في جريدة الجامعة الإسلامية التي تصدر في (يافا)، في عددها (562) وتاريخ الأربعاء في 23 صفر 1353هـ الموافق 6 حزيران 1934م بتوقيع الأمير نفسه)).انتهى [من كتاب (جهاد نصف قرن) لأنور الرفاعي ص54 إلى ص59]

ويتابع الأستاذ أنور الرفاعي فيقول: ((وكان الأمير سعيد قد كتب رسالة شكر من المدينة المنورة إلى الشريف حسين بمكة، وكتب من دمشق رسالة أخرى شرحَ فيها للشريف حسين مساعيه لدى جمال باشا. ووصلته رسالة جوابية بخط الشريف حسين وتوقيعه تُعدّ وثيقة من الوثائق التاريخية، وفيها يُبيّن الشريف حسين أنه لابد وأن الشريف فيصلاً قد قابل الأمير.

ونصّها: (((عزيزنا الكامل السيد الشريف الأمير محمد سعيد بن الأمير علي ابن مولانا المرحوم السيد الأجلّ عبد القادر الحسني؛ حفظه الله ورعاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد تناولنا بغاية السرور كتابيك الأول من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ والثاني من دمشق الفيحاء وفرحنا بهما لأنهما قد وافيا ببشائر عافيتك التي نتمنى من الله أن يديمها عليك وعلى والدك وأهلك وعشيرتك موفقين لكل ما فيه سعادة الأمة وخير الإسلام. ويكفيك يا بني من الفخار أن تمثل بمناهجك السامية جلال فضائل شرفكم الباذخ الذي تتوجت به مفارق آبائك وأجدادك من سلالة ذلك البيت الطاهر الكريم.

إنا لا نعد خدماتنا التي ذكرتها بالإطراء والثناء إلا جزءًا من بعض ما تفرضه الإسلامية علينا لخدمة الدين الحنيف والخلافة العظمى والبلاد العزيزة المحبوبة، مؤملين من الله عزَّ وجلّ أن يوفقنا لإيفاء تلك الواجبات حقها وأن يمنحنا السداد في الأقوال والأعمال بما تقرّ به عين جدك الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير