.. "
((فرضي الأمير سعيد هذه المهمة الخطرة ولكن المشكلة كانت كيف يستطيع الأمير سعيد اجتياز الحدود بين الجيشين التركي والعربي، وكيف يتوصل إلى الاجتماع بالأمير فيصل ... واقترح الأمير سعيد أن يتصل هو بالأمير فيصل ويستمزج رأيه بالاجتماع به وبعد الاتفاق معه سيذهب إليه، وأعجبت الفكرة جمال باشا وترك أمر ذلك جميعه للأمير سعيد ... وأرسل الأمير سعيد أحد رجاله الذين يعرفون البلاد معرفة تامة برسالة خاصة منه إلى الأمير فيصل فجاءه الجواب:
((قيادة الجيوش العربية الشمالية
ديوان الأمير
تاريخ 3 ـ 2 القعدة 1336هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده.
حضرة الأخ الكريم؛
تلقيت كتابك وسررت على صحتك، عسى الباري يحفظك، ولعلمي بصفاء نيّتك وخلوصك وما بيننا من الروابط الودية، أُحرّرُ لك هذا، أولاً لإعلامك عن صحتي ولله الحمد، ثانيًا لئلا تتهمني بقلة الوفاء، وإلا ما كنتُ أرى لزومًا للرد على كتابك لأنني قد جربت أصحابك، وجرَت بيننا أحاديث تحريرية ولم أر لذلك أدنى ثمرة، وتأكدت من ذلك بأنهم يريدون المماطلة لاكتساب الفرص ليس إلاّ.
إنْ كنتَ تريد المواجهة شخصيًا فأهلاً وسهلاً وإنني على العهد، وإن جئت لإبداء بعض ما يُظهرونه لك ويُضمرون خِلافَه، فلا أرى لزومًا لتعبك، ولذلك فهنا أمرين: إن كانوا أعطوك ما تتوثق به عن صفاء نيتهم وبيدك ما يثبت ذلك، فمرحبًا بك، وتأتي الليلة القابلة الموافق 3 - 4 القعدة 1336هـ وهي ليلة الأحد الموافق مساء 10 أغسطس إفرنجي، وفي الساعة الواحدة عربي في وادي (عقيقه) الواقع جنوب سمنة القبلية، وسيكون في ذلك المحل "فانوس" أحمر مع من يلزم لخدمتكم، فاعتمدوا عليهم وامشوا بمشورتهم. وإن كانوا قد أجبروك على المجيء ولا بيدك ما يطمئن به قلبك، فأنت بمحلك والعرب وشأنهم.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التوقيع: أخوك فيصل)).انتهى
[كتاب (جهاد نصف قرن) لأنور الرفاعي ص88]
ولي هنا تنبيه: كما ترون فالجميع يخاطب الأمير سعيد والأمير عبدو على أنّهما تابعان مخلصان للدولة العثمانية، وكذلك تصرفاتهما تدل على ذلك، والولاة العثمانيون أيضًا يتعاملون معهما بوصفهما مخلصان للخلافة العثمانية، ولم يمر معنا أنهما فعلا شيئًا يخالف ذلك!!
(( .. وكان اجتماع الأمير فيصل بالأمير سعيد في (وهيد) بحضور نوري باشا السعيد وفائز بك الغصين أمين سر سمو الأمير فيصل الخاص في ذلك العهد، واستمعوا جميعًا إلى أقوال الأمير سعيد الداعية إلى إحلال الوفاق بين الأتراك والعرب، والضنّ بدماء المسلمين، وكان الأمير فيصل يصر على انسحاب تركيا من البلاد العربية وإعلان استقلالها استقلالاً ناجزًا والاعتراف بتتويج الملك حسين ملكًا عليها، وهي نفس الاتفاقات التي كانت بين والده الشريف حسين ومكماهون البريطاني والتي قامت الثورة العربية على أساسها، ولما كان الأمير سعيد لا يملك مثل هذه الصلاحية وإعطاء مثل هذه الوعود، هنّأ الأمير فيصل على إيمانه بمستقبل العرب وعلى تشبثه باستقلال العرب، وتمنى له التوفيق واستأذنه عائدًا يحمل رسالة الأمير فيصل الجوابية إلى جمال المرسيني، وقد أملاها الأمير فيصل باللغة التركية على أمين سره فائز بك الغصين وترجمتها:
""إلى حضرة جمال باشا قائد الجيش الرابع:
يا حضرة القائد العام
تسلمت كتابكم المؤرخ في 5/ 8/1336هـ والذي تفضلتم بإرساله مع الأمير سعيد وليس لي ما أقوله بالنسبة إلى شخصكم لما أعرفه فيكم قديمًا من الشعور الطيب والعواطف النبيلة التي خبرتها بالذات ولكن هذا لا يمنعني من القول بأن هذه الكتب والرسائل التي لا أزال أتلقاها من وقت إلى آخر وأجيب عليها منذ نحو تسعة أشهر سواء من حضرتكم وسواء من غيركم من كبار القوم ليست سوى إضاعة للوقت فيما لا يفيد إذ لم أر فيها ما يدل على روح إسلامية صحيحة وبذلك لم يبق لي أمل ما في الوفاق والاتفاق. ومع أن زيارة الأمير سعيد بعثت شيئًا من الأمل في نفسي إلا أن هذا لا يمنعني من تنبيهكم إلى حالتكم العامة، ووضعكم العسكري صار في أقصى درجة من الخطر وستؤيد الأحداث قولي هذا الذي أقوله بلسان المسلم المخلص الصادق لا بطريق التهديد، والله يعلم أن ما أكتبه إليكم بهذا الشأن مصدره الوجدان الذي يهيب بي إلى نصحكم وتحذيركم
¥