إن العرب لا يطلبون شيئًا من الترك، إن كل ما يطلبونه هو أن يعيشوا أحرارًا وعلى وفاق تام واتحاد معهم.
إن للعرب مطلبًا صريحًا وواضحًا يلحّون في تحقيقه وإجابته ولا يتنازلون عنه وإني أصارحكم به وهو: (إن العرب يريدون منكم أن يكون حالهم معكم كحال بافاريا مع ألمانيا)، إن قبول هذا الاقتراح يربط بين قلبي الأمتين برباط متين لا تنفصم عراه كما إني أَعُدُّ القَبولَ بأقلَّ منه جناية تُجنى على هاتين الأمتين الإسلاميتين فلا يتجدد بعد ذلك الزمن الذين يعودون فيه إلى دواوين الحرب العرفية وإلى أحكام الإعدام والشنق وإلى الفتاوى المزيفة وإلى ترديد عبارات (الأصابع الأجنبية) أو الخروج على السلطان فتجدد القلاقل والمصائب.
والخلاصة إنني أختم كتابي قائلاً بأنني على أتم استعداد للدخول في المفاوضات متى قبلت الحكومة التركية اقتراحي هذا مقدمًا احترامي إليكم. في 5/ 11/1336هـ
فيصل "".انتهى
(نص الكتابين نشرته جريدة الكفاح عدد 1652 وتاريخ الخميس 26/ربيع الأول/1365هـ،و28/شباط/ 1946 بتوقيع الأمير سعيد نفسه). [وانظر كتاب (جهاد نصف قرن) ص89 إلى ص92]
((ويضيف الأمير سعيد زيادة عما ذكرناه في وصف مقابلته للأمير فيصل ما جاء في سلسلة مقالاته في جريدة الجامعة الإسلامية الذي نقتطف منه بعض فقرات وردت في عدد 9 تموز 1934م وهي:"" .. وبعد العناق والسلام بدأنا بالحديث وسلمته كتاب جمال باشا فقرأه وأكثر الإمعان فيه، وما لبث أن استأذن بالذهاب ودخل إلى فرع متصل بالصيوان وهو عبارة عن خيمة صغيرة فيها منضدة للكتابة، وجلس حوله فائز بك الغصين ونوري باشا السعيد. وبعد محادثة نصف ساعة على التقريب جاء الأمير (فيصل) وأرباب معيّته وبيده كتاب يحتوي على جوابه لجمال باشا فناولني إيّاه قائلاً:"هاك جواب جمال باشا اقرأه. وبعد قراءته عرضتُ رأيي على الأمير بوجوب كتابة (دردنجي أردو قومانداني جمال باشا حضرتلرينه) بدلاً من (جمال باشا به) تبعًا لحسن المجاملة التي ما أنقص جمال فيها شيء. فرأى الأمير رأيي وضرب على هذه العبارة وكتب حسبما اقترحت.
.. وبعد هذا تداولنا في الشؤون وما يجب اتخاذه من تدابير إذا امتنع الترك عن الموافقة على الاستقلال وسألت الأمير عن العهود والشروط التي تقررت بينهم وبين الإنكليز فيما يتعلق بسورية وما هي الخطة التي تقررت بين الجانبين، فأجابني بما يأتي حرفيًا: "ليس هناك لا عهود ولا شروط يا أخي، إنما الذي تم القرار عليه هو أننا سنهاجم سورية وفلسطين، فكل قوة من القوى الثلاثة الإنكليز والإفرنسيين والعرب تسبق فتحتل بلدًا تسيطر عليها إلى أن تنظر الدول المتحالفة في أمرها، من أجل ذلك إذا أردتم أن تضمنوا استقلال بلادكم فلا تنتظرونا، بل عندما تسمعون بقرب الجيوش منكم أعلنوا الاستقلال ولو بتضحية إذ ربما تأخر الجيش العربي وتقدم غيره".انتهى [المرجع السابق ص93]
(ونشرت جريدة الأيام والمقطم عام 1923 تصريحات الأمير سعيد كاملة حول هذا الموضوع)
وحمل الأمير سعيد الرسالة الجوابية من الأمير فيصل واتجه إلى مقر جمال باشا المرسيني.
(( .. وكان الأمير سعيد قد أخذ يناقش جمال باشا في مستقبل البلاد العربية وموقف الأتراك من حركة العرب؛ ويقنعه بضرورة الاتفاق مع العرب والقَبول بمطالب الملك حسين جميعها وكان مما قاله:"هل تعتقد أن باستطاعة الجيوش العثمانية الصمود أمام هجمات الجيش العربي والإنكليزي؟ "
جمال:"لا أعتقد هذا أبدًا"
الأمير:"إذن أليس من الأنسب أن تعلنوا أنتم استقلال البلاد فتكون لكم يد بيضاء على الأهالي، وسوف تنتهي الحرب بشكل ما، وستبقى العلاقات بينكم وبين العرب حسنة، ولا يشعر الأهالي بفرق بين حكومتكم والحكومة العربية المقبلة، لأنهما حكومتان مسلمتان"
وقَبِلَ جمال المرسيني وجهة نظر الأمير سعيد وعقد هيئة أركان حربه وعرض عليهم الفكرة ووافق الجميع إلاّ واحدًا.
وكتبوا إلى العاصمة التركية لأخذ موافقة أولي الشأن، ووافق السلطان محمد رشاد، وكتب بذلك أمرًا، ولكن (طلعت) و (أنور) و (جاويد) قادة الاتحاديين أهملوه ولم يرسلوه إلى سورية وكانت الحوادث تمر بسرعة؛ ولم يجدوا الوقت الكافي لتحقيق اقتراح الأمير سعيد)).انتهى [المرجع السابق ص94] و [انظر مذكرات عن القضايا العربية والعالم الإسلامي ص126]
¥