تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكانت أخبار تقدم الجيش العربي والإنكليزي وانهزامات الجيش التركي تَرِدُ إلى مدينة دمشق، والأهالي يشاهدون ارتباك الأتراك وحلفائهم الألمان فيها، وكان الناس ينتظرون سقوط مدينتهم على أيدي الجيوش العربية أو الجيش البريطاني بين لحظة وأخرى. (( ... وكان جمال باشا المرسيني؛ بعد أن عاد الأمير سعيد من (وهيد) وأيقن أن الصلح مع الأمير فيصل ضربٌ من المحال؛ كلّف الأمير سعيدا بأن يُؤلف من المغاربة الموجودين في سورية قوة محلية لحفظ الأمن ولمساعدة الجيوش التركية وأعطى قيادة هذه القوة إلى أخيه الأمير عبدو الذي سار بها إلى (إزرع) ليحول دون اتصال الجيش العربي بجبل الدروز، وبقي أفراد من هذه القوة المغربية حول الأمير سعيد بدمشق، ولكن الترك لم يستطيعوا أن يصمدوا أمام زحف العرب والإنكليز فتراجعوا إلى الكسوة ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=911309#_ftn1)) وأخلوا حوران وجبل الدروز وتراجع الأمير عبدو إلى دمشق، وكانت المدينة في حالة فوضى مستحكمة، فقناصل الدول تغادر المدينة، والناس في هرج ومرج، والشائعات تبلبل الأفكار، والوالي العثماني لم يُعرَف مقرُّه، فقد فرَّ في الظلام من المدينة؛ وخشيَ عقلاء القوم من حدوث فتنة في المدينة، وانتشار الغوغاء واللصوص في أسواق المدينة للسلب والنهب، وسارع الأمير سعيد إلى مقابلة جمال باشا المرسيني الذي كان قد نقل مركزه إليها وقال له:"إن المدينة أصبحت في حالة فوضى لا مثيل لها، والناس لا يعرفون ما يعملون، وأخشى وقوع حوادث تسيء إلى سمعة المدينة؛ وإني كجدّي عبد القادر العظيم في عام 1860م أرغبُ في المحافظة على الأرواح، ومنع الاعتداء على النساء والأطفال، والوقوف دون النهب والسلب، وما قد يحدث بين الطوائف من أناس لا خلاق لهم .. "

جمال:"كيف العمل؟ والجيش مشغول بالانسحاب والأعداء يتقدمون نحو العاصمة والإشاعات أن طلائعهم أصبحت في الغوطة وسيدخلون المدينة بين لحظة وأخرى"

الأمير:"أرى أن نجمع زعماء الأحياء ليتفقوا على المحافظة على أحيائهم ويؤلفوا حرسًا وطنيًا كما كان الحال في فرانسا وقت الثورة الإفرنسية وبذلك نأمن وقوع حوادث محلية أهلية"

جمال:"حسناً، افعل ما بدا لك"

ولكن اجتماع زعماء الأحياء لم يُثمر ثمرته المطلوبة، فعاد الأمير سعيد إلى جمال باشا وقال له:"لم يعد وقت للتفكير والاستشارة، فالبلد في غليان شديد، ومُرَوّجو الإشاعات يقلقون الناس ويعملون على إشعال الفتنة. وأنا سأقوم بتوزيع رجالي المغاربة على مداخل الحارات لأمنع التعدي وأحفظ النظام"

جمال:"حسنًا! وأرجو أن يحافظ رجالك عليّ أنا أيضًا"

الأمير:"بما أني سآخذ على عاتقي حماية المدينة فإني أرى أن تأمر الفرق الباقية لديك بالانسحاب من دمشق هي والجنود الألمانية الموجودة فيها بمعدّاتهم وأسلحتهم حتى لا يقع أي اشتباك بين جيشكم المنسحب وجيوش الثورة العربية الظافرة وحتى تسْلم المدينة من الخراب والتدمير .. "

جمال:"رأيك في مكانه، وسأنفذ اقتراحك". واعتبر الأمير سعيد نفسه مسؤولاً عن دمشق فأسرع إلى داره في حي العمارة وجمع أصحابه وأنصاره، وأصدر لهم الأوامر المختلفة بالمحافظة على الأمن والنظام وتسهيل انسحاب الجيش التركي المنهزم. وكان ممن تطوع للمحافظة على الأمن والنظام في المدينة ومنع التعدي وحماية الأقليات الدينية العالم الجليل الشيخ رضا العطار، وكان ضابطًا في الجيش التركي)).انتهى [جهاد نصف قرن ص96ـ 97]

(والشيخ محمد رضا العطار كان قاضيًا في دمشق ومن العلماء الكبار فيها وله عدة رسائل وكتب ودواوين شعر، توفي في دمشق سنة 1372هـ وهو والد الداعية الكبير عصام العطار صهر الشيخ علي الطنطاوي. والجميع أصولهم من الجزائر!)

(( .. ثم قصدَ (الأمير سعيد) إلى دار الحكومة أمام ضفة بردى يحفّ به ثلاثة من أسرته الأمراء وهم الأمير جعفر والأمير محمد الباقر والأمير حسن، يحمل كلٌّ منهم بندقية، ووجد على طول الطريق بين السراي وأوتيل فيكتوريا صفّين من الخيّالة (الدَّرك) المحلّي بقيادة أمين بك الطرابلسي، فجاوزهم، وصعد درج السراي ولم يجد فيها أحدًا ودخل غرفة الوالي .. وجلس في كرسيّه، يأمر وينهي.

وشَعَرَ الأمير سعيد أن واجبه الآن أن ينفِّذ ما وعد به الشريف حسين يوم اجتمع في مكّة أثناء رحلته الأولى في طليعة الحرب، وأن يحقق وعد أخيه الأمير عبدو للشريف حسين عندما استلم منه العلم وحمله إلى دمشق واحتفظ به في الدار؛ فنادى صديقه المرحوم معروف الأرناؤوط والمرحوم عثمان قاسم وقال لهما:"اذهبا إلى بيتنا في العمارة واتياني بعلم الحسين بن علي الذي أحضره أخي عبد القادر معه من مكة"، وما هي إلا لحظات حتى شهدت دمشق موكبًا من المواكب الضخمة يذكرنا بمواكب الحج وسفر المحْمَل الشريف، فقد حمل الأرناؤوط وعثمان العلم العربي، وركبا في عربة الأمير سعيد الخاصة، وسار أمامهما عدد من المتطوعين المغاربة يحمون العلم بسلاحهم ودمائهم؛ وهرع السكان من كل حدب وصوب ينشدون ويهزجون أهازيج الفرح والسرور، ويعلنون ولاءهم لهذا العلم العربي، وانضمامهم إلى الثورة العربية، وما كاد يصل إلى ساحة الشهداء (المرجة) حتى أصبح ألوفًا مؤلفة، وخرج الأمير سعيد من السراي، واستلم العلم بيده ورفعه على سراي الحكومة بين الهتافات والتحيات .....

[1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=911309#_ftnref1) ـ من مقال لجميل بيهم: المنار الجديد العدد (13).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير