تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وترجم لهم مؤرخون آخرون أيضًا ولم يذكروا عنهم مسألة الماسونية، ونحن إذا نظرنا في سِيَرهم فلا نجد أي شيء ينسجم مع الفكر الماسوني!

وأمّا أحفاد الأمير فلم يُذكر أنّ أحدًا منهم انتسب إلى الماسونية سوى الأمير سعيد وليس الأمر كما يُظن وقد بيّنا شيئًا من سيرته فيما سبق وسيأتي المزيد عند حديثنا عن الماسونية. وقد سجّل لنا التاريخ رجالاً منهم كانوا من المجاهدين والشهداء أمثال الأمير عز الدين والأمير عبد القادر الحفيد، وكان منهم علماء أمثال الأمير جعفر عضو المجمع العلمي بدمشق وقد أثنى عليه كثيرًا العلاّمة محمد كرد علي المشهور بطعنه في الماسونية ورجالها. وكذلك الأمير عبد المجيد أمين المكتبة الظاهرية. والحديث عن أحفاد الأمير وذريته يطول وليس هذا محلّه، المهم أنّ الطعن فيهم واتهامهم بالماسونيّة دون دليل واضح أو برهان لا يجوز.

ثم يعود صاحب (فك الشفرة)، فيقول:"وقد كان الأمير عبد القادر ـ خلال وجوده في الشام ـ دائما ما يفزع الى القنصلية الفرنسية عند تعذُّر بعض مهامه، بل و كذلك في شئونه (كذا) الخاصة كما مرَّ بنا، فقد كانت هناك علاقة وطيدة بينه وبين الدولة الفرنسية الاستعمارية".انتهى

وأقول: بعد هذا الاتهام الشنيع، ألا يجد الأخ الكاتب نفسه بحاجة لإيراد دليل واحد على الأقل ليثبت صحة ما يدّعيه؟ فمن أين له أنّ الأمير كان يفزع إلى القنصلية الفرنسية لتحل له مهامه وشؤونه الخاصة أيضًا!

ثم يضرب لنا مثالاً على دعواه فيقول:"فقد تمت وساطة فرنسية لدى الباب العالي للسماح للأمير عبد القادر بالإقامة في الشام".انتهى

مرَّ معنا سابقًا قول صاحب (فك الشفرة) أن الأمير خرج من سجنه في فرنسا ليمر مرورًا باسطنبول في طريقه إلى دمشق. وبينتُ في حينها بطلان كلامه (فالأمير لم يكن في طريقه إلى دمشق ولم يكن هذا في باله، وإنما اتجه من اسطنبول إلى بروسة وبقي فيها ثلاث سنوات). وهو الآن يناقض نفسه فيقول إن هناك وساطة جرت لينتقل الأمير من تركيا إلى دمشق.

وقد بيّنتُ لكم سابقًا القصّة كاملة كما ذكرها المؤرخون الثقات وهي أنّ السلطان العثماني هو الذي تدخّل لدى إمبراطور فرنسا ليسمح بانتقال الأمير من "بروسة" في تركيا إلى دمشق وليس العكس. لأنّ السلطان هو الذي تكفّل بالأمير وكان الاتفاق بينه وبين نابليون الثالث على أن يقيم الأمير في "بروسة"، فلمّا أراد السلطان أن ينتقل الأمير إلى دمشق، أعلم نابليون بذلك وجرى الانتقال بعد موافقته.

ثم يضرب الكاتب مثالاً آخر فيقول:"فأثناء إقامته في منفاه في سوريا كان الأمير عبد القادر كثيراً ما يتدخل لانقاذ المسيحيين ((العملاء لفرنسا والجواسيس لها ضد المسلمين)) ".انتهى

وهنا أيضًا الاتهام دون أية بيّنة أو برهان! من أين يأتي بهذه الاتهامات؟ ولماذا لا يذكر لنا تلك الحوادث ومَنْ ذكرها؟ ومن هم الجواسيس والعملاء المسيحيين الذين أنقذهم الأمير؟

وهكذا نرى بوضوح سقوط هذه التهمة.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:58]

ثم يعود الأخ الكاتب إلى التهمة القديمة التي بدأ بها مقاله، وهي تهمة العمالة السافرة لفرنسا والعمل على تمزيق الدولة الإسلامية. وقد بينتُ سقوط هذه التهمة سابقًا فلا أطيل بشرحها، ولكنني أكتفي بتذكير الإخوة القراء بأنّ الأمير هو الذي حافظ على كيان دولة الخلافة الإسلامية العثمانية وخرّب المخططات الأوربية لتفكيك تلك الدولة، فهو الذي صدّ الأسطول الفرنسي الذي نزل بميناء بيروت سنة 1860م لاحتلال بلاد الشام وفصلها عن تركيا. فردّه الأمير بحنكته وصدق فعاله، فعاد الأسطول الفرنسي خائبًا ذليلاً، لكن ليعود مرّة أخرى لينفذ مخططه الماكر والخبيث، وذلك سنة 1920م، وبذلك يكون الأمير قد أخّر تمزيق الدولة العثمانية ستين سنة!!؛ 23سنة في حياته و37 سنة بعد وفاته!! (وسيأتي معنا في الحلقة القادمة تفصيل ذلك كله وبيانه إن شاء الله).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير