تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويستدل صاحب (فك الشفرة) على فرية العمالة لفرنسا بقول التميمي: ((إننا لانعرف ولا وثيقة واحدة صادرة عن الأمير تشجع الحركات الانتفاضية في بلاده (الجزائر)، أو على الأقل مساندته المعنوية لعدد من الزعماء الجزائريين الذين أبلو البلاء الحسن حتى آخر رمق من حياتهم. بل إن الأمير ذهب لاحترام وعده إلى حد التنكر لابنه محي الدين الذي تحول سراً إلى الجزائر لانقاذ البلاد من فرنسا سنة 1870)).انتهى

وأقول: إنّ الاعتماد على قول التميمي لا يرفع عن الكاتب المسؤولية.

إن التميمي مؤاخذٌ فيما يقول ـ وهو متحامل على الأمير ـ فإنّ عدم معرفته بأي وثيقة صادرة عن الأمير تشجع الثوّار، لا يعني عدم وجود هذه الوثائق، وإنما يعني جهله بها، وإن عدم اطلاعه على حقيقة موقف الأمير من الحركات الانتفاضية في الجزائر لا يسمح له بالتدخل في باطن الرجل! وكان الأولى به أن يقف عند حدود معرفته لا أن يتخرّص ويُعرّض بالأمير!!

ثم عن أية وثائق يتحدث؟ والإدارة الاستعمارية الفرنسية لم تترك لنا أي وثيقة صحيحة يُرجع إليها!

وإنما هم يُفرِجون عن بعض الوثائق التي لا تخدم تاريخنا، أو يروّجون لوثائق مزيفة ومزوّرة.

ولمن يريد الاضطلاع على شيء من هذا فأحيله على كتاب (المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر) للأستاذ إسماعيل العربي من الصفحة 150 إلى الصفحة 155؛حيث تحدث عن كيفية تزوير الفرنسيين للوثائق الجزائرية في الأرشيفات الفرنسية وذلك عندما كان في باريس يجري بعض أبحاثه سنة 1950م؛ يعني قبل استقلال الجزائر!!

وللعلم فإن اسم الأمير ورد في عدّة وثائق تتعلق بثورة بلاد القبائل سنة 1857م، وثورة أولاد سيدي الشيخ سنة 1864 و1881م، وثورة 1871م؛ وكانت السلطات الفرنسية في الجزائر تتوجس من الأمير خيفة وكانت تصرّح بأنه على صلة بأهل الجزائر من الثوار وغيرهم. [انظر (حياة الأمير عبد القادر) ترجمة سعد الله ص25]، ولذلك كانت الحكومة الفرنسية مصرَّة على منع عودة الأمير إلى الجزائر إلى أن مات. ومع ذلك فإنّ الكتّاب الفرنسيين صاروا يروّجون أن الأمير لم يكن راضيًا عن بعض الثورات وخصوصًا ثورة 1871م، لكي يوقفوا تأسّي الشعب الجزائري بسيرة ونضال الأمير عبد القادر الذي بقي اسمه ونضاله ومواقفه موردًا ينهل منه المقاومون الجزائريون وقوة معنوية تحفّز إرادتهم وهمّتهم؛ كما يقول الدكتور أبو القاسم سعد الله. [المرجع السابق ص25]

وعلى كل حال فإن الوثائق التي لم يطلع عليها التميمي اطلع عليها المؤرّخ الدكتور يحيى بوعزيز؛ ونشرها في كتابه (كفاح الجزائر من خلال الوثائق)، ونجد فيها ما يردُّ على التميمي والمعتمدين على كلامه.

فمن ذلك أن الدكتور بوعزيز ذكر في كتابه السابق ص347 تحت عنوان: (وثائق جديدة عن موقف الأمير عبد القادر والدولة العثمانية من الثوار المقرانيين عام 1871م) وهو يرد على المزاعم الفرنسية التي تقول أن الأمير كان مستنكرًا لثورة المقرانيين. فقال ص349: ((إننا لم نلاحظ، فيما عثرنا عليه من رسائل الأمير، على ما يدل على غضبه عن المقرانيين، بل على العكس، فإنه أبدى عطفه عليهم بعد محنتهم الكبرى عام 1871م وما بعده، عندما هاجروا بجموع غفيرة إلى تونس. وهذا يعني عدم وجاهة آراء الفرنسيين تجاه موقف الأمير نحو زعماء ثورة 1871، خاصة المقرانيين منهم. والدليل على أنّ الأمير لم يكن ضدهم، ولا يحقد عليهم، هو قيامه بمراسلة السلطات التونسية ليستوصيها بهم خيرًا بعد أن هاجروا إلى هناك. ومما ذكره في رسالته إلى الوزير التونسي رستم، قوله: (((فإنّ ولدنا الشريف الأثيل السيد الحاج محمد بوزيد المقراني ورَدَ علينا بالديار الدمشقية المحروسة ... ثم المأمول من السيادة أن تستوصوا خيرًا بولدنا المذكور ووالده وإخوته، وأن تلاحظوهم بالمساعدة فيما يعرض لهم من الأمور وأن لا تقطعوا على المهاجرين كافّة ما تعوّدوه من إحسانكم وتواصل أفضالكم))).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير