تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن هناك أمرٌ هام أريد أن أنبّه عليه: وهو أنّ الأخ محمد مبارك صاحب المقال قام بخلطٍ عجيب للأحداث التاريخية، وأدخل الوقائع في بعضها على نحوٍ لم يُسبق إليه، وبعد ذلك أخذَ يستنتج ما يشاء من هذا الخليط العجيب ويصوغه وكأنّه مسلَّمة تاريخية! وهذه مصيبة كبرى!

لذلك سأضطر لتجلية الموضوع حتى يتبيّن له وللجميع حقيقة ما جرى.

أولاً؛ بدأ الكاتب كلامه متحدِّثًا عن حادثة تاريخية مشهورة وهي المعروفة باسم (فتنة الجبل) سنة 1860م في لبنان والتي امتدت فيما بعد إلى دمشق، فزعم أنَّ الفتنة كانت بثورة يوسف كرم على المتصرف العثماني "داود باشا" وأنّ الأمير تدخل لصالح ثورة يوسف كرم!! وهذا خلط عجيب! ولن أطيل في شرحه ويكفيني أن أعرض لكم ما قاله الأستاذ خير الدين الزركلي في موسوعته "الأعلام" عن يوسف كرم؛ قال: ((يوسف بن بطرس كرم (1238 - 1306هـ = 1823 - 1889م): شجاع لبناني ماروني، يُنْعَت ببطل لبنان. من أهل قرية "إهدن" أقامه الأمير حيدر الشهابي حاكمًا عليها بعد أبيه.

وعيَّنه الوالي "فؤاد باشا" على إثر حادثة 1860م "وكيل قائم مقام" في بلده. ولم يلبث أن اعتزل العمل، طامحًا إلى أن يكون متصرفًا "وطنيًا" للبنان بعد أن تنتهي مدة المتصرف "الأجنبي" داود باشا، فاعتقله "الباشا" فؤاد، ونفاه إلى الآستانة (سنة 1861م) فَفَرَّ (سنة 1864م) عائدًا إلى بلده.

وقلق منه داود باشا فأراد القبض عليه، فقاتله، وكثر أنصار يوسف، وظهرت بسالته، ونشبت بينه وبين العساكر اللبنانية معارك. وتوسط القنصل الفرنسي، فأخرجه "تحت الحماية الفرنسية" إلى فرنسة (سنة 1867م) فتنقل في أوربة. واستقر في "نابلي" بإيطالية، محتفظًا بجنسيته العثمانية، معلنًا أنه لم يخرج على السلطان، بل دفع عن نفسه ظلم "داود" ومات في "نابلي" ونقل أقاربه جثمانه إلى "إهدن" وأقيم له فيها "تمثال" بعد مدة)).انتهى

إذن صار واضحًا الآن أنّ ما يُسمّى ثورة يوسف كرم كانت بعد انتهاء فتنة الجبل المشهورة سنة 1860م، وخروج يوسف كرم على المتصرف العثماني وقتاله كان سنة 1864م!!، والذي توسّط ليوسف كرم لدى العثمانيين هو القنصل الفرنسي!! ولم يحدث أي تدخل عسكري أجنبي!!

ثانيًا؛ إليكم الآن وقائع حادثة 1860م (فتنة الجبل) وذلك من المراجع الإسلامية الموثوقة.

وكنتُ أريد الاختصار في عرضها ولكنني رأيت أن أتوسّع قليلاً في ذلك، والسبب هو أنّه كما يُقال: "التاريخ يُعيد نفسه" وأحداث لبنان اليوم ما هي إلاّ امتداد وتكرار للأحداث التي جرت في السابق (سنة 1841م ثمّ 1845م ثمّ 1860م ثم 1864م .. ثم .. ) وكان كبير الفاتيكان الذي سبق الحالي قال ضمن كلمة له: ((لبنان أكثر من وطن: إنه رسالة!!))، ونحن نرى بوضوح اهتمام الغرب بلبنان واستخدامه دائمًا لزعزعة المنطقة واتخاذه ممرًا لتمرير خططهم ومشاريعهم!! فلعلّنا نستخلص العِبَر!

جاء في التاريخ الإسلامي للعلاّمة محمود شاكر قوله:

((فبعد وفاة الخليفة العثماني محمود الثاني تسلّم الخلافة ولده عبد المجيد الأوّل سنة (1255هـ،1839م)، وكانت الدولة العثمانية قد بدا ضعفها وكان "محمد علي" الوالي على مصر قد أعلن انفصاله عن الدولة العثمانية وصارت له أطماعه الخاصة وزادت قوّته، فخشيت الدول الأوربية الاستعمارية (انكلترا وفرنسا والنمسا وبروسيا) من احتمال استيلائه على إسطنبول، وهنا قد تتدخل روسيا لأنها مرتبطة في ذلك الوقت مع الدولة العثمانية بمعاهدة دفاع مشتركة، لذا فقد قدّمت دول أوربا لائحة مشتركة من (روسيا وانكلترا وفرنسا والنمسا وبروسيا) تطلب من الخليفة الجديد ألاّ يُقرَّ موضوعاً في شأن يتعلّق بوالي مصر دون الرجوع إليهم، وفي الوقت نفسه فإنهم مستعدون للتوسط بينهما، فَقَبِلَ الخليفة اللائحة، واجتمع السفراء عند الصدر الأعظم وتداولوا الرأي، وظهر تباين في وجهات النظر. روسيا تريد أن تحتفظ بالمعاهدة الدفاعية مع الدولة العثمانية التي تُبقيها تحت حمايتها، وانكلترا وفرنسا تخشيان من ذلك وترغبان أن تكون لهما قطعات بحرية في المضائق بحيث تشاركان، وتمنعانها من التفرّد بالتصرف في شؤون الدولة وحدها. ومن ناحية أخرى فإنّ فرنسا تود دعم محمد علي وأن يحتفظ بما أخضعه، وانكلترا لا تريد ذلك منافسةً لفرنسا على مركزها في مصر، وخوفاً من منافستها على طريق الهند،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير