تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو إدريس الحسني]ــــــــ[29 - 11 - 08, 03:53 م]ـ

ولمّا بلغتْ أخبارُ هذه الواقعةِ الهائلة حَضْرَةَ الخليفة العثماني عبد المجيد خان، وما صنعه الأمير في سبيل طاعة الخليفة وأداء واجب خدمته، أظهر الخليفة رضاه العالي بفعله وأنعم عليه بالنيشان المجيدي العالي الشان من الرتبة الأولى وأرفق معه فَرَمَانًا وحملهما إلى الأمير الصدرُ الأعظم علي باشا، وإليكم نصّ الفرمان:

((قد أحاط علمي الشريف السلطاني بحال الحميّة الدينيّة الثابتة في أصل فطرة الأمير عبد القادر الجزائري، زيدَ فضلُه، وخلوصه الأكيد الوطيد لطرف دولتي العليّة، وقد اضطره كل منهما لاستعمال الهمّة والغيرة الكليّة الفائدة في الخدمة المرغوبة وهي تخليص عدد كثير من تبعة دولتي العليّة الواقعين بأيدي الأشقياء الظالمين عند وَقع الفتنة والعناد مؤخرًا في الشام من بعض ذوي التوحش الجاهلين بالوظائف العليّة الإسلاميّة والأحكام الجليلة الشرعيّةوحيث أنّ حركته الحسنة قد استوجبت لدى سلطنتي زيادة المحفوظيّة ووقعت موقع الاستحسان ولأجل حسن توجهاتي السلطانية الحاصلة في حقّه والمكافأة العلنيّة على خدمته الخيرية الواقعة، أحسنتُ إليه بنيشاني المجيدي الهمايوني من الرتبة الأولى، وأصدرتُ له فرماني السلطاني المعلوم المؤْذن بالمكارم الملوكانية في أول صفر الخير سنة سبع وسبعين ومئتين وألف)).انتهى

فسُرَّ الأمير بهذا الإنعام السلطاني ورفع إلى حضرة الخليفة كتابًا يشكره فيه ويلخص له ما حدث، جاء فيه: (( ... ثمّ لمّا وقعت حادثة الشام وانتُهِكت محارم الله بلا احتشام،وتعيّنَ على كل فردٍ من العباد بذل المجهود في دفع ذلك الفساد، قمتُ بأداء ما قدرت عليه من هذه الفريضة العينية؛ والنيّةُ الصحيحة في ذلك تحصيلُ رضاء الله تعالى ثمّ طاعةُ الدولة العليّة ... )).انتهى [الرسالتان مثبتتان في (تحفة الزائر) لمحمد باشا 2/ 96ـ98]

وتوالت مكاتيب الشكر وقصائد التهنئة بالورود على الأمير من الدول والأدباء والشعراء والعلماء والأعيان اقتداءً بالدولة العثمانية.

ومنها رسالة من قائد الثورة في الداغستان والشيشان الشيخ (محمد شامل الداغستاني) رحمه الله؛ ونصّها:

(( .. إلى من اشتهر بين الخواص والعوام، وامتاز بالمحاسن الكثيرة عن جملة الأنام، الذي أطفأ نار الفتنة قبل الهيجان، واستأصل شجرة العدوان، رأسها كأنه رأس شيطان، المحبّ المخلص السيد عبد القادر المنصف؛ السلام عليكم وبعد: فقد قرع سمعي ما تمجّه الأسماع، وتنفر عنه الطباع، من أنه وقع هناك بين المسلمين والمُعاهَدِين ما لا ينبغي وقوعه من أهل الإسلام، وربما كان يُفضي إلى امتداد العناد بين العباد في تلك البلاد، ولذلك عند سماعه اقشعرّ منه جلدي، وعبست طلاقة وجهي، وقلتُ (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)، وقد تعجبتُ كيف عميَ من أراد الخوض في تلك الفتنة من الولاة عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا من ظلم مُعَاهَدًا أو انتقصه حقّه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة"وهو حديث حسن، ثمّ لما سمعتُ أنّك خفضت جناح الرحمة والشفقة لهم وضربت على يد من تعدّى حدود الله تعالى وأخذت قصب السبق في مضمار الثناء واستحقيت لذلك، رضيتُ عنك والله تعالى يرضيك يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون لأنك أحييت ما قال الرسول العظيم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، ووضعتَ من يتجرّأ على سنّته بالمخالفة نعوذ بالله من تجاوز حدود الله، ولكوني ممتلأً بالرضى عنك كتبتُ إليك إعلاماً بذلك. والسلام. حرر سنة 1277هـ شامل الغريب)).انتهى

فأجابه الأمير برسالة جاء فيها: ((الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى سائر إخوانه من النّبيين والمرسلين، إنه من الفقير إلى مولاه الغني عبد القادر بن محيي الدين الحسني إلى الأخ في الله تعالى والمُحب من أجله الإمام شامل كان الله لنا ولكم في المقام والرحيل وسلام الله عليكم ورحمته وبعد، فإنه وصلني الأعز كتابكم وسرّني الألذ خطابكم، والذي بلغكم عنّا ورضيتم به منّا من حماية أهل الذمة والعهد، والذَّب عن أنفسهم وأعراضهم بقدر الطاقة والجهد،هو كما في كريم علمكم مقتضى أوامر الشريعة السّنية، والمروءة الإنسانية، فإنّ شريعتنا متممة لمكارم الأخلاق،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير