إلاّ أنّ الكاتب إسكندر شاهين لم يعلّق على شيء من ذلك واكتفى بإيراد رد أنطوان عاصي على مقال حفيدة الأمير.
والكاتب إسكندر كلما استغرق في التخليط والهلوسة، استشهد بكلام المدعو أنطوان عاصي. فكان "كضِغْثٍ على إبَّالَة".
والغريب أنّ الأخ صاحب (فك الشفرة) فيما يبدو اطلع على مقاطع من كلام أنطوان عاصي مجتزأة، لأنّه لو قرأ كلامه كاملاً لظهر له بوضوح كم هو مخلِّطٌ كبير، ومدى سقوط كلامه.
مثلاً: يقول أنطوان عاصي في ردِّه على حفيدة الأمير: "4ـ أُنشئ في نيويورك في 26/ 9/1872م نظام تحت اسم (النظام العربي القديم لأشراف المزار الصوفي). وأقيم على أساس (مزار صوفي إسلامي). أُسس هذا النظام سنة (656م)!. قبل تطوره أي بعد موت النبي محمد صلى الله عليه الصلاة والسلام (كذا) بأربع وعشرين سنة!!!
ويقول: فلنا أن نقول عن الماسونية: إنها يهودية، لأنها كذلك في بعض طقوسها ومراسمها ..
ولنا أن نقول: إنها مسيحيّة، لأنها تحث على السلم والوداعة والمحبة، وكل ما أتى به الدين المسيحي، من آيات التساهل واللين ...
ولنا أن نقول أيضًا: إنها محمّدية، لأنها في مجموع وصاياها وفلسفتها، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتشترط في الداخلين في سلكها كل فضيلة ومكرمة".انتهى
كل هذا الكلام قبل أن يبدأ بمسألة ماسونية الأمير.
ثم تابع العاصي كلامه بوصفِ نفسه أنه من الماسونيين العريقين! لا من المتطفّلين!!
إذن فهناك ماسون عريقون وآخرين متطفّلون! يا سلام على هذه الفائدة!
ثمّ راح يستدل على عراقة الماسونية، بتطابق نصوصها مع نصوص التوراة اليهودية التي هي أهم سند للماسون! ثم راح ينفي عن الماسونية تأثّرها باليهودية وأنّ الخطر اليهودي قد انحسر عنها!!! في تخبّطٍ وهلوسة منقطعة النظير وبِلُغةٍ لا تكاد تَفهم منها شيئًا. فضمن أسطر قليلة تجده يثبت الشيء وينفيه وينتسب إلى شيء ويتبرّأ منه وهكذا ... وبعد ذلك راح يبيّن أنّ الماسونية استلهمت أفكارها ومبادئها من الصوفيّة الإسلامية، طبعًا هذه بحد ذاتها طامّة من طوامّه وفِرْيَةٌ من مفترياته؛ ولكنه حتى يزيد الأمر وضوحًا برأيه، أخذ يعدد رموز التصوف الذين استلهمت منهم الماسونية فقال:"ما استلهمته الماسونية من الصوفية الإسلامية من ابن خلدون، وعمر بن الفارض، وأبو العلاء المعري".انتهى
فزاد هذا التوضيح منه الطين بِلَّةً، فما دَخْلُ ابن خلدون وأبي العلاء المعرّي بالتصوف؟! وابن خلدون أوّل ما بدأ مقدّمته هاجم فيها الصوفيّة!
وجميعنا يعلم أنّ أساس المبادىء الماسونية هو القضاء على الإسلام وغيره من الأديان وإبقاء الدين اليهودي حاكمًا للعالم، فكيف تكون الأفكار الماسونية مستمدّة من التصوف الإسلامي ومن كلام مؤرخ الإسلام ابن خلدون أو أبي العلاء المعرّي؟
ونسي العاصي ما كتبه قبل أسطر من أنّ الماسونية مستمدّة بالكليّة من التوراة اليهوديّة!
ثمّ بعد ذلك راح يتحدث عن أحداث 1860م فزعم أنّ تلك الفتنة كان وراءها الإنكليز بالتعاون مع وريث العهد المصري (يعني محمد علي) والدولة العثمانية نفسها، وذلك لإخضاع سورية للحكم العثماني!! فأرسلت فرنسا وبروسيا وإنكلترا (انتبه)! وإيطاليا والنمسا جيوشها البالغ عددهم (12.000) جندي بقيادة الجنرال بوفور الفرنسي لحماية الدروز والموارنة من المجازر التي ارتكبها بحقهم (الطورانيون الأتراك) بقيادة فؤاد باشا!!!
ثمّ قال العاصي: إنّ المجازر كانت بين الدروز والموارنة، وبين الدروز وبقيّة الفِرَق الإسلاميّة. فالدروز هم من أشعلوا الفتنة.
ثم قال: وكلّف نابليون الثالث الأمير عبد القادر بالتصدي للجيش الطوراني التركي للحفاظ على الأقليّات في الشرق!! ونجح الأمير في حماية النصارى فقلّده نابليون وسام الشرف. انتهى
أرأيتم إلى هذا التزوير السافر للتاريخ!!
لقد مرّ معنا في الحلقة السابقة تفصيل أحداث 1860م والعنوان العريض لها هو أنّ فرنسا حرّضت الموارنة على الدروز، وإنكلترا دعمت الدروز، ثمّ سيطرت الدولة العثمانية عن طريق وزيرها فؤاد باشا على مجريات الأمور، بعد أن قام الأمير عبد القادر بتهدئة الأوضاع.
والذي كان يُباشر القتل إنما هم الدروز والموارنة في لبنان، وأما في دمشق فأشقياء البلد مع الدروز، ولم يتدخل في أحداث القتل أي جندي تركي!
¥