تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويُتابع تشرشل: ... ووصل إلى مكّة في الموعد المحدد .... وقد أمر له شريف مكّة بغرفتين في فِناء الحرم توضعان تحت تصرفه. وتهاطل عليه الزوّار، وبعد عشرة أيّام أعلن أن مدة الاستقبال قد انتهت. وسأل أن يُترك على انفراد وفي عزلة هادئة. وخلال الاثني عشر شهرًا الثانية لم يُغادر حجرته إلاّ للذهاب إلى الجامع الكبير (كذا). فكل وقته قد كرّسه للدراسات الدينية والتعبد والصلاة، وكان حماس فكره الديني قد استثير بأشد أنواع إنكار الذات، فلم يسمح لنفسه بسوى أربع ساعات من النوم، ولم يوقف صومه خلال الأربع والعشرين ساعة سوى مرة واحدة، وحتى عندئذ فإنه كان لا يتناول سوى الخبز والزيتون، وكان قد أَنهَك هذا التقشف القاسي الطويل قواه حتى ظهر على بدنه الحديدي .... (ثم تحدث كيف سافر إلى المدينة) ...

... وقد بقي عبد القادر في المدينة أربعة أشهر، مستأنفًا العمل الذي كان قد مارسه بينما كان في مكّة قرب قبر النبيّ! (1)، وكان حارس الضريح النبوي يطلب منه دائمًا أن يفحص الأشياء الثمينة التي يحتوي عليها: نذور الماس والجواهر والأحجار الكريمة، والذهب والفضة، المرسلة من الملوك والأمراء ورجال الدين والأعيان من جميع أنحاء العالم الإسلامي. ولكن عبد القادر كان يرفض حتى النظر إلى هذه الأشياء. فقد كان ينظر إليها على أنها تبذيرٌ وبذخ لا فائدة منه وسوءُ تصَرُّفٍ مُذْنِب في الثروة التي كان يمكن استعمالها في أعمال الخير والمصلحة العامة ...

وعندما حان وقت رحيله ..... ووصل مكّة .. في الوقت الذي يجب عليه أن يكون حاضرًا لأداء شعائر وفرائض عيد الأضحى!! للمرة الثانية. وبذلك يكون قد حقق وعده وغرضه فالتفت الآن عائدًا نحو أهله، وفي شهر يونيو سنة 1864 وصلَ إلى مدينة الإسكندريّة.

لقد نجح عبد القادر في تحقيق أعلى المراتب الدينية التي تعتبر أساسية وجليلة، بعد عملٍ شاق وإنكارٍ طويل للذات. ومن جهة أخرى أصبح يحمل شعار جمعيّة تقوم على مبدأ الأخوّة العالميّة. إن الجمعيّة الماسونية في الإسكندرية قد سارعت للترحيب بالعضو الجديد الشهير. فقد دعا المحفل الماسوني، المعروف بمحفل الأهرام، للاجتماع خصيصًا لهذه المناسبة، عشيّة الثامن عشر من يونيو. وأدخل عبد القادر في هذا النظام الصوفي الغامض. وقد أضيف إلى ميزة (مجاور النبي) ميزة (ماسوني حر ومقبول)، وهي العبارة العرفية المستعملة في هذا المقام)).انتهى مختصرًا من [حياة الأمير عبد القادر ص291ـ294]

إذن تحدث تشرشل عن تديّن الأمير عبد القادر من قيامه بالحج والمجاورة في الحرمين والخلوة للتعبد والتقرب إلى الله. في حين أنّ تشرشل نفسه ـ وهو من كبار الضباط البريطانيين ومن النبلاء ـ وكثير من الحكام والملوك وكبار الضباط الأوربيين لم يكن لهم نشاط أو اهتمام ديني، وإنما كانوا ينخرطون في سلك الماسون ويتبجّحون بعناوين عريضة ودعايات فارغة، فما الحل حتى يتساوى الطرفان؟ لقد زعم تشرشل أن الأمير انضمّ ـ كسائر ملوك وحكام أوربة ـ إلى الماسونية. ثمّ أطلق على الماسونية وصفًا عجيبًا فقال: "هذا النظام الصوفي الغامض"!!

إذن على رأي تشرشل الماسونية طريقة صوفية يتبعها الأوربيون فلا مانع من انضمام الأمير العربي المسلم إليها! ومتى كان هذا الانضمام؟ لقد كان في رحلة العودة من الديار المقدسة من الحرمين الشريفين بعد مجاورة دامت أكثر من سنة!! أليس هذا من الأخبار الفجّة والمستهجنة والتي لا يمكن تصديقها إلاّ بدليل قاطع وبرهان ساطع.

ضمن أسطر قليلة نجد تناقضًا عجيبًا، ففي البداية عرّف تشرشل الماسونية فقال:"جمعيّة تقوم على مبدأ الأخوّة العالميّة"، وبعد سطرين وصفها فقال:"هذا النظام الصوفي الغامض". ومرَّ معنا في الحلقة (14) تناقض الماسون أنفسهم في تعريف الماسونية، ومرَّ معنا أيضًا تضارب مزاعمهم في تاريخ انضمام الأمير إليهم، وتبيّن لنا سقوط جميع دعاويهم ومزاعمهم! فيمكنكم الرجوع إلى تلك الحلقة لمراجعة الموضوع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير