تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنّ تشرشل قال في مقدمة كتابه أن المعلومات التي يوردها عن الأمير مصدرها اللقاءات التي جرت بينهما طيلة الخمسة أشهر التي تردد فيها تشرشل إلى الأمير في دمشق. وذَكَرَ لنا أنّه غادر دمشق في مطلع سنة 1860م! (قبل حادثة النصارى) إذن الأحداث التي جرت للأمير بعد ذلك التاريخ لم يكن تشرشل يُعاينها من قريب، فضلاً عن تلقي تفاصيلها من الأمير. فمن أين إذن حصل تشرشل على هذه المعلومات؟ ولماذا لم يذكر مراجعه أو أدلّته على ما يقول؟

لقد اكتفى بالقول في مقدمته: ((ولم يكن يخطر على بالي وأنا أغادر دمشق في ربيع سنة 1860 أنّ فصلاً آخر كان يوشك أن يُضاف إلى تاريخه الغريب الكثير الوقائع، أو أنّ نجمه المجيد الذي كان يبدو أنه سيظل ساطعًا إلى الأبد، كان مقدّرًا له قريبًا أن يظهر فجأة من جديد بعظمةٍ أخرى ثاقبة. أمّا عن سلوكه الباهر النموذجي خلال المذبحة المخيفة التي تعرّض لها مسيحيو دمشق، وسط تواطئ السلطات التركية المخزية القاسية، فقد حصلتُ على تفاصيل على درجة كبيرة من الأهمية والصحة من مشاهدي العِيان. هذه هي إذن مادتي، ولم يبق لي إلاّ أن أنسقها وأصوغها، وقد فعلتُ ذلك. وإنني أدعو قرّائي، بكل هيبة وتواضع، أن يصدروا حكمهم على العمل نفسه)).انتهى [حياة الأمير عبد القادر ص37]

ولأنّ تشرشل يدعونا لإصدار الحكم على عمله، أقول: إن الباحثين استفادوا من كتاب تشرشل المعلومات التي ذكرها عن الأمير سماعًا منه، وهي في معظمها متّفقة مع ما ذكره عنه المؤرّخون العرب والمسلمون. ولكنه لم يغب عن ذهنهم أنّه أثناء كتابتِه عن الأمير وثنائه عليه كان يدسّ بعض المعلومات الكاذبة ليروّج للسياسة البريطانية المعادية للخلافة العثمانية بشدّة، وكتابه من أوّله إلى آخره طافحٌ بالعبارات الممتلئة بغضًا وكرهًا للأتراك العثمانيين، بل إنه كان يفتري عليهم ويزوّر تاريخهم إلى درجة مفتضحة. كما نرى في النص السابق!

وإذا كان مصدر معلوماته الأخيرة عن الماسونية والأمير، كما صرّح هو،"بأنه من مشاهدي عيان"، فلماذا لم يسمّهم لنا؟ لعلّهم من الماسون أنفسهم! وهم دون أدنى شك مستعدون لافتراء مثل هذه المزاعم بعد أن صدّهم الأمير حين دعوه للانضمام إليهم، وذلك كي لا يظهروا أمام العالم بصورة تُضعِفُ دعايتهم بأنهم جمعيّة الكبار والعظماء!!

على كل حال يبقى هذا الخبر مرفوضًا من الناحية التوثيقية ولا يمكن الاعتماد عليه ولا الركون إليه.

وإذا كان البعض يرى أن القَبول بكلام تشرشل أو جرجي زيدان لا بأس فيه! فأقول لهم إنّ القبول بكلام من هو أصدق منهم أولى وألزم. لقد روى السيد بدر الدين بن أحمد الحسني كلامًا يردّ مزاعم تشرشل وجرجي!

أقول: حدّثني ظافر بن أحمد مختار الحسني قال حدّثني جدّي بدر الدين بن أحمد الحسني قال سمعتُ عمّي الأمير عبد القادر يقول: ((عندما حضرت حفل افتتاح قناة السويس (سنة 1869م) أتاني بعض أعضاء الجمعية الماسونية يدعونني إلى الانضمام إليها، فقلت لهم إلى أي شيء تدعون؟ قالوا ندعو إلى التضامن والتكافل فيما بيننا. فقال لهم الأمير: لا يجوز عندنا نحن المسلمين أن يتكافل البعض دون الكل. فانصرفوا)).انتهى

وبدر الدين هو ابن السيد أحمد شقيق الأمير الأصغر، وهو أيضًا صهر الأمير زوجُ ابنته زهرة! وهو من المُعمَّرين عاش مئة سنة توفي في 1/ 12/1967م. وسأعرض شهادات أخرى لاحقًا.

وبعد انتشار إشاعة انضمام الأمير إلى الماسونية عَقِيْبَ وفاة الأمير، وتداولها من قبل بعض الصحف والجرائد المشبوهة (وبخاصة تلك التي كان يصدرها جرجي زيدان وأمثاله)، قامت بعض الجرائد والصحف المصرية واللبنانية بتكذيبه والاعتراض عليه، ومن الأدلة التي كانت تلك الصحف تعتمد عليها في تكذيب هذا الخبر هو قولهم: "إن الماسون يزعمون أن الأمير استقبل عضوًا في محفل الأهرام الماسوني بتاريخ 18/ 6/1864م!!! الموافق 14/ 1/1281هـ في الإسكندرية. ومع العلم أن الأمير في هذا التاريخ كان لم يزل في الحجاز، وهو لم يصل إلى الإسكندرية إلاّ بعد 14/ 5/1865م!! الموافق 19/ 12/1281هـ؛ ووصل إلى دمشق بتاريخ 19/ 1/1282هـ الموافق 13/ 6/1865م!!!! ".انتهى [كنتُ نقلت هذه المعلومات من صحيفة لبنانية وأخرى مصرية. ورجعت إلى بعض الكتب التي أرّخت للأمير عبد القادر فوجدت أنّ التواريخ المذكورة في تلك الصحيفة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير