تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبدأت هذه النظرية تأخذ مكانها في كتابات بعض المعتقدين بها أو المروّجين لها، ثمّ تكاثرت مقالاتهم وصارت تغزو الصحف والجرائد اليومية، وكَثُرَ الحديث عن هذه المؤامرة ورجالاتها والمنخرطون في سلكها، أو الذين استُخْدِموا لتمرير خططها، وبدأت التُّهم تُلقى جزافًا ولا رقيب ولا حسيب!

وساهمت بعض الجهات في تغذية هذا التوجّه وتدعيمه، لأنها ستستفيد من رواج هذا الفكر واستقراره. وصحيح أنّ بعض الصحفيين يكتب عن الماسون وعمالتهم، من باب تأثّره بنظرية المؤامرة وبرتوكولات حكماء صهيون. إلاّ أنَّ البعض الآخر كان يكتب من باب استغلال تلك النظرية! والسبب أنّ البعض سيستفيد من هذا الأمر في درء الشبهات عن نفسه وتحييد خصومه، وصرف الأنظار عنهم، وإقناع الناس بالواقع المرير! (2)

ومما ساعد أصحاب هذا التوجّه على ترويج نظريتهم، أنّ بعض رجالات العرب والمسلمين انتسبوا إلى الجمعيّة الماسونية في وقت مضى ـ قبل تلك النكبات والنكسات ـ وأعلنوا انتسابهم إليها، وذلك لأنّه لم يكن هناك شيء ظاهر يبعث على الريبة فيها، بل على العكس كان يُنظر إلى تلك الجمعيّة على أنّها أمرٌ حسن، فهي تُنادي بالقيم الإنسانيّة وتدعو إلى مساعدة الآخرين وإلى النهوض بالأمم والرقي بها. هكذا كانت تروِّج لنفسها. وقد انضمَّ إليها في السابق أشخاص لا يُشك في نزاهتهم وصدق نيّاتهم، وهذا جعل المنتسبين الجدد يشعرون بالارتياح.

ولكن بعد مدّة من انتسابهم أحسّوا أنّ وراء تلك الجمعيّة أغراضًا خبيثة مخفيّة لا يُمكن أن يرضوا بها، وأدركوا أنّ تلك الجمعية ستستفيد من انضمامهم إليها لتمرير شيء من أغراضها، فما كان منهم إلاّ أن انسحبوا منها وانقطعوا عنها. بل أخذوا يحذِّرون منها، ويكتبون لفضحها.

ولعلّ كتابات الدكتور عبد الجليل التميمي عن الأمير عبد القادر والماسونية، كانت المصدر الثاني للصحفيين والمفتونين بالشأن الماسوني، بعد كتابات جرجي زيدان وشاهين مكاريوس!!

وعبد الجليل التميمي كان ينقل أشياء عن بعض الكتّاب الغربيين ولكنه يصبغها فيما بعد بنظرته السوداوية للأشخاص! ومرَّ معنا في حلقات سبقت اعتماد التميمي على رسائل مزوّرة ـ سمحت السلطات الفرنسية له ولغيره بالاطلاع عليها وتصويرها!! ـ في الطعن بالأمير وموقفه من الحركات الانتفاضية في الجزائر بعد خروجه منها. وبيّنتُ وقتها التزوير المفتضح لتلك الوثائق، وكذلك جهل الدكتور التميمي بالوثائق الحقيقية التي تُثبت عكس ما ادّعاه.

وبعد ذلك اعتمد عبد الجليل التميمي على كلام ووثائق "زافيني ياكونو" في دعم نظريته القائلة بانضمام الأمير إلى الماسونية! والوثائق المزعومة هي ثلاث رسائل موجّهة إلى الماسون وُضِعَ في نهايتها اسم الأمير عبد القادر وختمه!! وزعموا أنها بخط الأمير!! [بحث التميمي هو:الأمير عبد القادر الجزائري في السنوات الأولى من إقامته بدمشق]

وكتابات التميمي بهذا الخصوص غير علمية وغير موثّقة وهي تعكس رأيه ونظرته ونفسيّته وقد ضمّنها مواقفه القَبْلِيَّة من الأشخاص والأحداث! وعن التميمي نقل الصحفيون وهواة الماسونية تلك الرسائل واستنتاجات التميمي وزافيني منها!!

وأقول: لو كان التميمي والناقلون عنه في كتبهم يتحرّون الحقيقة لأمكنهم بمجرّد إلقاء نظرة سريعة عليها أن يقطعوا بأن تلك الرسائل ليست بخط الأمير حتمًا، ولو قرؤوها وقرؤوا ما فيها من ألفاظ عامّية وإملاء لا يصدر إلاّ عن شخص أعجمي حديث عهد بتعلّم العربية؛ لأيقنوا أنها ليست للأمير الذي يحفظ كتاب الله تعالى، ويروي حديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وينظم الشعر وكتاباته مشهورة ومعلومة!

وقد صدرت دراسات علميّة تُبيّن زيف وبطلان هذه الرسائل. ومن أهم تلك الدراسات والوثائق تقرير الخبرة الفنيّة الذي أعدَّه الخبير المحلّف الأستاذ هشام الغراوي بتاريخ (21/جمادى الأولى/1420هـ = 1/ 9/1999م) الخاص بدراسة إحدى تلك الرسائل وهي الرسالة الموجهة إلى محفل هنري الرابع، ظهرت في زمن متأخر، مضمونها شكر وثناء على جمعية المحفل وعلى أغراضها ودعاء لها ولأعضاء المحفل، وكاتب الرسالة يقول إنه مندرجٌ معهم في الأخوية المحبوبة!

وقد تناولها الأستاذ الغراوي بالدراسة الفنية وكانت النتيجة أنها مزوّرة بكل وضوح!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير