(النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) والحلف بالطلاق أو بالحرام ليس من الأحلاف المشروعة ولكن إذا وقع للإنسان فإنه يعتبر في حكم اليمين فيكفر عنه كفارة يمين إذا خالف ما حلف عليه) انتهى
وللفائدة -وإن لم يكن السؤال عن الحكم- يقول رحمة الله عليه في شرح كتاب الأيمان:
والصحيح أن تحريم الزوجة كغيرها، وحكمه كحكم اليمين؛ لعموم قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}}.
فإذا قال قائل: النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما حرم العسل؟ فالجواب: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالله ـ عزّ وجل ـ لم يقل للنبي: «يا أيها النبي لِم تحرم العسل؟»، وإنما قال: {{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}} و (ما) من صيغ العموم فتشمل حتى الزوجة.
فإذا قال لزوجته: أنت علي حرام فهو يمين، إذا جامعها وجب عليه كفارة يمين فقط، وله أن يفعل الكفارة قبل وتكون تحلة، أو بعدُ وتكون كفارة.
ويؤيد ذلك قوله تعالى: {{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}}، والإيلاء في الواقع أن يحلف أن لا يطأ زوجته، وهذا في معنى التحريم، ومع ذلك فإن عليه الكفارة.
فإن قال: أنا أردت بقولي: إنها علي حرام، الطلاقَ، قلنا: إذا أردت الطلاق، فإن هذا اللفظ قابل لهذه النية؛ لأن المطلقة حرام على زوجها، حتى وإن كانت رجعية فليست كالزوجات، فإذا أردت بهذا اللفظ ـ الصالحِ للفراقِ ـ طلاقاً صار طلاقاً؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».
وإذا قال: أردتُ به الظهار، أي: أردت به «أنت علي حرام كحرمة أمي» قلنا: هو ظهار؛ لأن اللفظ مطلق والنية قيدته، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».
فإذا قال: أنا قلت: أنت علي حرام، ولم أنوِ الطلاق، ولا الظهار، ولا اليمين، فيُجعل يميناً؛ لأن هذا مقتضى اللفظ المطلق. فإذا أطلق كان يميناً.
فصار الذي يقول لزوجته أنت علي حرام له أربع حالات:
الأولى: أن ينوي الظهار.
الثانية: أن ينوي الطلاق.
الثالثة: أن ينوي اليمين.
الرابعة: أن لا ينوي شيئاً.
فإذا نوى الظهار فظهار، أو الطلاق فطلاق، أو اليمين فيمين، والعمدة عندنا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».
فإذا لم ينوِ شيئاً صار يميناً، والدليل قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}}.
فإذا قال قائل: هل تجرون هذه الأحكام في لفظ الظهار، فتقولون: إذا قال الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، فإنه يقع ما نواه من طلاق، وظهار، ويمين، فإن لم ينوِ شيئاً فظهار؟
الجواب: لا؛ لأن اللفظ هنا صريح في الظهار، ولو جعلناه طلاقاً لكنَّا وافقنا حكم الجاهلية، وهذا لا يجوز؛ لأنه تغيير للحكم الشرعي، فنقول: إذا قلت: أنت عليَّ كظهر أمي، فهو ظهار بكل حال.
فإن قلت: وإذا أجراه مجرى اليمين، بأن قال: إن فعلتُ كذا فزوجتي علي كظهر أمي؟
الجواب: هذا حكمه حكم اليمين ما لم ينوِ الظهار؛ لأنه ظاهر فيه أن المقصود الامتناع.
وبهذا نعرف أن القول الراجح في مسألة التحريم أنه لا فرق بين الزوجة وغيرها.
ولو قال رجل لأمته التي يتسرَّاها: أنت عليَّ حرام، فهذه يمين وليست ظهاراً، حتى على المذهب لقول المؤلف: «ومن حرَّم حلالاً سوى زوجته من أمة» أو إطعام أو لباس فلا تكون الأمة كالزوجة بل يكون تحريم الأمة يميناً. انتهى