تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن الناظر في هذا العالم الكوني الفسيح، يدرك بسرعة أن الإنسان يعيش في فضاء فنّي راق؛ بيئة واسعة بهية هي آية من الجمال الذي لا يبارى؛ بدءً بالأرض حتى أركان الفضاء، الممتدة بجمالها الزاخر في المجهول، تسير في رونق الغرابة الزاهي، إلى علم الله المحيط بكل شيء. ومن ذلك قوله سبحانه: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ) (الحجر: 16) وجعل الأرض الحية تتنفس بالجمال نِعَماً لا تحصى ولا تنتهي (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (الأعراف:32). وأرشد ذوق الإنسان إلى تبين معالم هذا الجمال في كل شيء: (وَاْلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (النحل: 5 - 6).

ثم انظر إلى هذا الجمال المتدفق كالشلال، من الآيات التاليات؛ يقول سبحانه بعد الآية السابقة بقليل، في سياق الْمَنِّ بهذه النعم الجميلة الجليلة: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (النحل: 10 - 12).

بانوراما الأرض

إنها صورة كلية شمولية ذات ألوان وأنوار حية متحركة، إنها» بانوراما «كاملة للأرض بتضاريسها وبحارها وأشجارها وأنهارها وأحيائها جميعا. ثم بفضائها الرحب الفسيح بما يملأ ذلك كله من حركة الحياة، والنشاط الإنساني بكل صوره مما أتيح له في هذه الأرض وفضائها من المسخَّرات الحيوية. هذا كله هو قصرك الزاهي أيها الإنسان، ومجالك الواسع، محاطا بكل آيات التسخير وكرامات التدبير، المتدفقة بين يديك بكل ألوان النعم والجمال؛ لتصريف العمر كأعلى ما يكون الذوق، وكأجمل ما تكون الحياة.

وفي سورة الأنعام صور تنبض بجمال الخصب والنماء، جمال أرْضِيّ لا يملك معه من له أدنى ذرة من ذوق سليم إلا أن يخضع لمقام الجمال الأعلى، الجمال الرباني العظيم. قال جل جلاله: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبٌّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:99). ويلحق بها قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر:27 - 28).

فالصورة تبتدئ -في الآيات الأولى ثم التي بعدها- من لحظة نزول المطر، إلى لحظة خروج النبات والشجر من التربة الندية، إلى مرحلة خروج الحب المتراكب في السنابل، وخروج القِنْوَان، (أي: العراجين والعُذُوق المثقلة بالفاكهة) بجمالها وبهائها، ثم ما يلامسها بعد ذلك من نضج وينع، فتراها -وقد تهيأت للقِطاف- متدليةً خلال خمائل الجنات والبساتين، ناظرة إلى الناس في دلال خلاب. والآيات لا تغفل الحركة الحية للألوان، في تطورها من الخضرة إلى سائر ألوان النضج والينع، مما يتاح للخيال أن يتصوره -تَوَرُّداً واصْفِرَاراً واحْمِرَاراً واسْوِدَاداً ... إلخ- في الزروع، والتمور، والأعناب، والزيتون، والرمان ونحوها، إلى ما يحيط ذلك كله، أو يتخلله، من ألوان الجبال وجُدَدِهَا، وهي: مسالكها أو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير