تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد اشتكى الناس في الطارف والتالد من هذا البلاء العظيم؛ حتى إنك تجد في أمثال الناس المحدثة والذي يكاد أن يكون مثلاً عالمياً: ((اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية)).

وأتى دين الإسلام بأوضح وبيان وأتم تفسير لذلك المعنى، فكان الخلاف في الرأي سعة ورحمة بالأمة،مالم يؤدِ إلى زوال أو تضييع ائتلاف القلب =فإن الخلاف عندها يكون تفرقاً محرماً مذموماً ..

قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}.

وفي الآية تقسيم الدين إلى قسمين كما يقول الشيخ:

الأول: الدِّينَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ الْعَامُّ.

والثاني: وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ الْخَاصُّ.

ثم الأمر بِإِقَامَةِ هَذَا الدِّينِ كُلِّهِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُخْتَصِّ وَنَهَانَا عَنْ التَّفَرُّقِ فِيهِ.

ثم اعلم-هُديت للرشد-أن الاختلاف في كلام الله تعالى هو الافتراق لاغير، ولا يُطلق الخلاف في كتاب الله إلا ويُراد به هذا المعنى،ولا يُطلق الاختلاف- أبداً-ويُراد به خلاف الرأي الذي لا يؤدي إلى الافتراق.

ومن البين المقطوع به أن الله تبارك وتعالى لم ينهانا عن مجرد اختلاف الرأي،وإنما نهانا الله تبارك وتعالى عن التفرق، وموجب التفرق المؤدي لحصوله أمران:

الأول: التقصير في التزام الحق بعد تميزه والإعراض عن البينات بعد ظهورها.

الثاني: أن يختلف الناس في تمييزالحق فيجاوزن الحد ويبغي بعضهم على بعض.

قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}.

وقال سبحانه: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}

وقال عز وجل: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}.

وقال الله: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}

قال الشيخ: ((سَبَبُ الْفُرْقَةِ: تَرْكُ حَظٍّ مِمَّا أُمِرَ الْعَبْدُ بِهِ، وَالْبَغْيُ بَيْنَهُمْ)).

وقال: ((وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت مَا يَقَعُ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ عُلَمَائِهَا وَعُبَّادِهَا وَأُمَرَائِهَا وَرُؤَسَائِهَا وَجَدْت أَكْثَرَهُ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ الَّذِي هُوَ الْبَغْيُ بِتَأْوِيلِ أَوْ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَمَا بَغَتْ الجهمية عَلَى الْمُسْتَنَّةِ فِي مِحْنَةِ الصِّفَاتِ وَالْقُرْآنِ؛ مِحْنَةِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ وَكَمَا بَغَتْ الرَّافِضَةُ عَلَى الْمُسْتَنَّةِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً وَكَمَا بَغَتْ النَّاصِبَةُ عَلَى عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَكَمَا قَدْ تَبْغِي الْمُشَبِّهَةُ عَلَى الْمُنَزِّهَةِ وَكَمَا قَدْ يَبْغِي بَعْضُ الْمُسْتَنَّةِ إمَّا عَلَى بَعْضِهِمْ وَإِمَّا عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ بِزِيَادَةِ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَهُوَ الْإِسْرَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِمْ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا}. وَبِإِزَاءِ هَذَا الْعُدْوَانِ تَقْصِيرُ آخَرِينَ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْحَقِّ أَوْ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا)).

5 - إذاً فضابط الاختلاف المذموم الذي هو فرقة وعذاب=أمران:

الأول: التقصير في التزام الحق بعد تميزه والإعراض عن البينات بعد ظهورها.

الثاني: أن يختلف الناس في تمييزالحق فيجاوزن الحد ويبغي بعضهم على بعض.

ويقع هذان الأمران من المختلفين في العلميات والعمليات جميعاً،ولا يختصان بواحد منهما ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير