[دفاع المورسكيين عن النبي محمد صلى الله عليه و سلم]
ـ[هشام زليم]ــــــــ[26 - 06 - 08, 11:29 م]ـ
منذ أن بعث الله نبينا محمد صلى الله عليه و سلم و قلوب الكفار مملوءة غيظا و حنقا على شخصه و على ما جاء به من نور لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. فماترك المجرمون من نعث قبيح إلا و نعتوا به الرسول صلى الله عليه و سلم مع علمهم الجازم ببطلان اتهامتهم له, لكنهم أمام عجزهم عن رد دعوته السمحة و الطاهرة لجؤوا إلى أسلوب الضعفاء المبني على السب و الشتم و الرسم. و هذا ما يقرره الدكتور الفرنسي فارنند برودال في مقدمته لكتاب "المورسكيون الأندلسيون و المسيحيون: المجابهة الجدلية" (ص16):" إن التهجمات ضد محمد أو ضد القرأن, هي ولاشك أقل حجة و إقناعا من إلحاح المسلمين و تركيزهم على إنسانية المسيح. و هي طريقة لإنكار إلاهيته و رفض التثليت و التي بمفردها تعد نفيا لوحدانية الله."
و هذا مشاهد فكلما فتحت حوارا مع النصارى و غيرهم عن صلب التوحيد جروك إلى مناقشة شبهات حول القرأن و النبي محمد صلى الله عليه و سلم.
لكن ما يغيظ الكفار أكثر هو رفض المسلم ,عالما كان أو عاميا أو بين ذلك , أن يُمسّ جناب نبيه محمد صلى الله عليه و سلم.
ما أريد طرحه من خلال هذا الموضوع هو رد فعل المورسكيين الأندلسيين أمام سب النبي صلى الله عليه و سلم خلال فترة مجاورتهم للنصارى بإسبانيا في القرن السادس عشر و بداية القرن السابع عشر أي بُعيد طردهم من إسبانيا.
بداية فالمورسكيون هم أولئك المسلمون الذين عاشوا في إسبانيا في ظل الحكم المسيحي بعد سقوط دولة الإسلام بالأندلس سنة 1492م و أُجبروا على التنصر و تغيير أسمائهم و أزيائهم و عاداتهم الإسلامية. و لمراقبتهم أسس النصارى محاكم التفتيش لتتبع عمليات تنصيرهم و معاقبة من يتشبت بالإسلام و تقديمه للمحاكمة حيث يتم سجنه أو مصادرة أمواله أو تعذيبه أو قتله أو جميع ذلك في أن واحد. بل من صدرت منه إشارة بسيطة قد تكون خاصة بالمسلمين عُرض على محاكم التفتيش لتقصي أمره.
رغم كل هذه الإجراءات ظل المورسكيون يحفظون بالإسلام باطنا و يخفوه بكل حذر عن أعين و مسامع جواسيس محاكم التفتيش في انتظار فرج يأتي من عند الله عز وجل.
في ظل هذه الظروف الصعبة استغل النصارى الفرصة فراحوا يتهجمون على النبي صلى الله عليه و سلم و ذكره بسوء أمام المورسكيين و ذلك للتثبت من مدى أخلاصهم للمسيحية, لكن المورسكيون كانوا يجابهون كل حقير نصراني يسب النبي محمد صلى الله عليه و سلم مع علمه بما سيجلبه عليه هذا الموقف من تبعات أليمة أمام محاكم التفتيش. لكن ما العمل و المقام مقام النبي صلى الله عليه و سلم و سبه ينفطر له القلب ألما.
أضع بين أيديكم شهادات دونتها محاضر محاكم التفتيش الإسبانية في القرن السادس عشر عن حالات توبع فيها مورسكيون بتهمة إخفاء الإسلام.
يذكر الدكتورالفرنسي لويس كاردياك في كتابه "المورسكيون الأندلسيون و المسيحيون: المجابهة الجدلية" ترجمة الدكتور عبد الجليل التميمي:
"في كثير من الأحيان, كان الموريسك لا يتحملون من يسب أو يشتم الرسول. من ذلك أن أحد الموريسك عندما (وصل ليقتني خمرا من الحانة) قد استُقبل عند مدخل الحانة بهذه الألفاظ: (لتحرق النار الخالدة محمدا) غير أنه لم يتماسك عن الرد: (إن محمدا يعد رجلا خيرا و طيبا) "من أرشيف محاكم التفتيش بكوينكا. ملف255. الصفحة3455.".
و في نفس الكتاب يذكر كاردياك:
"اسم محمد يظهر دوما على لسان المسيحيين عندما يحلفون, وفي أحد الأيام بطليطلةكان مسيحيان في نقاش كبير عندما قال أحدهما: (إني أحلف باسم الله) و قد أخذ عليه رفيقه أن يستعمل مثل هذه العبارات قائلا له: (احلف باسم من لا تؤمن به). و قد رد عليه المسيحي قائلا: (إني أحلف باسم محمد البغي الشرير) إلا أن أحد الموريسك كان حاضرا هذه المجادلة, سرعان ما استولى على هراوة (وكله يرتجف) قد هدد الشاتم قائلا له: (ماذا فعل لك محمد؟) و بالطبع فإن المورسكي هو الذي سيدفع الثمن بسوقه إلى دواوين التحقيق نتيجة شكاية المسيحي" من الأرشيف التاريخي الوطني الإسباني. ملف193. الصفحة 17.
و يتابع كاردياك:
"في سنة 1614م , لنفس هذا السبب, تمثلت بياتريس هارننداز أمام المحكمة, و على الرغم من صفتها المورسكية, فإنها استطاعت أن تبقى بإسبانيا بعد عملية الطرد النهائية: غير أن عددا من جيرانها كانوا يرتابون في ابتداعها, وفي إحدى الأمسيات , قضت سهرتها عند أحد أفراد جيرانها, وبينما كان رب البيت يشعل النارفي المدفئة, أصابه حرق و صاح: (بغي أنت يا محمد) و قد ردت عليه (لم يكن بغيا, ولكنه رسول) ... " من الأرشيف التاريخي الوطني الإسباني. ملف 193. الصفحة 16.
كما لاحظتم فهذه مواقف تسجل بماء الذهب فنسأل الله أن يرحم هؤلاء القوم الذين غلبوا على أمرهم و رغم ذلك حاولوا بما أوتوا من استطاعة الدفاع عن إسلامهم و نبيهم صلى الله عليه و سلم.