" وفي عصرنا هذا الذي قَلَّ فيه من يدري هذا الفن!، أو يرويه، أو يحقق تراجم من رأى من أهل مصره؛ فضلاً عمن لم يره، أو مات قبل عصره، قد نطق فيه من لا خبرة له بتراجم الرجال، ولا عبرة له فيما تقلده من سوء المقال، ولا فكرة له فيما تطرق به إلى تكفير خلق من الأعلام.
بأن قال من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام: كان كافراً!!! لا تصح الصلاة وراءه!!!
وهذا القول الشنيع الذي نرجو من الله العظيم أن يعجل لقائله جزاه!! قد أبان قدر قائله في الفهم، وأفصح عن مبلغه من العلم، وكشف عن محله من الهوى، ووصف كيف اتباعه لسبيل الهدى، ولا يرد بأكثر من: روايته عنه، ونسبته إليه!!!!!!!!
فكلام الإنسان: عنوان عقله، يدل عليه!!!!!!
أما علم هذا القائل: أن لفظة شيخ الإسلام تحتمل وجوها من معاني الكلام؟
1 - منها: أنه شيخ في الإسلام قد شاب وانفرد بذلك عمن مضى من الأتراب، وحصل على الوعد المبشر بالسلامة: أنه " من شاب شيبة في الإسلام؛ فهي له نور يوم القيامة".
2 - ومنها: ما هو في عرف العوام أنه: العُدَّة، ومفزعهم إليه في كل شدة.
3 - ومنها: أنه شيخ الإسلام بسلوكه طريقة أهله، قد سلم من شر الشباب، وجهله؛ فهو على السنة في فرضه، ونفله.
4 - ومنها: شيخ الإسلام بالنسبة إلى درجة الولاية، وتبرك الناس بحياته، فوجوده فيهم الغاية.
5 - ومنها: أن معناه المعروف عند الجهابذة النقاد، المعلوم عند أئمة الإسناد: أن مشايخ الإسلام، والأئمة الأعلام، هم المتبعون لكتاب الله عز وجل، المقتفون لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين تقدموا بمعرفة أحكام القرآن، ووجوه قراآته، وأسباب نزوله، وناسخه ومنسوخه، والأخذ بالآيات المحكمات، والإيمان بالمتشابهات، قد أحكموا من لغة العرب ما أعانهم على علم ما تقدم، وعلموا السنة نقلاً، وإسناداً، وعملاً بما يجب العمل به، وإيماناً بما يلزم من ذلك، اعتقاداً، واستنباطاً للأصول، والفروع من الكتاب والسنة، قائمين بما فرض الله عليهم، متمسكين بما ساقه الله من ذلك إليهم، متواضعين لله العظيم الشان، خائفين من عثرة اللسان، لا يدعون العصمة، ولا يفرحون بالتبجيل، عالمين أن الذي أوتوا من العلم قليل، فمن كان بهذه المنزلة: حُكِمَ بأنه: إمام، واستحق أن يقال له: شيخ الإسلام.
وإذا نظرنا في مشايخ الإسلام بعد طبقة الصحابة وجدنا منهم خلقا بهذه المثابة 000
في كل عصر وأوان وطبقة من الأعلام الأعيان؛ لكن كل طبقة دون التي قبلها فيما نعلم، والفضل للسابق الذي سلف وتقدم، فكل مقام له مقال، وكل زمان له أئمة ورجال …
ومع احتمال وجوه معاني لفظة شيخ الإسلام؛ كيف يكفر من سمى بها ابن تيمية الإمام؟؟؟ كما زعمه بعض من لا يدري، أو يدري لكن هواه يصده عن الحق أن يعتمد عليه!!!
ولقد صدق العلامة الإمام- قاضي قضاة الإسلام: بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر بن يحيى السبكي، الشافعي - رحمه الله - حيث يقول لبعض من ذكر له الكلام في ابن تيمية- فقال:
((والله يا فلان ما يبغض ابن تيمية إلا: جاهل أو صاحب هوى!!! فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به!!!)) انتهى.
مع أن جماعة من الأئمة فيهم كثرة ترجموه بذلك، وشهروا بإمامته، ومرتبته، وقدره.
أتراهم بهذا من الكفار الذين استوجبوا خلود النار؟؟؟
لا والذي يقول للشيء: {كن فيكون}!!! فإنا لله وإنا إليه راجعون)).
@ ثم أشار – رحمه الله لمنهجه في كتابه، وأنه سيذكر من أثنى على ابن تيمية، وسماه بشيخ الإسلام، قال:" ليعلم من حكينا عنه التكفير بذلك: ما وقع فيه من المآثم، والمهالك!!
ولقد كان – العلامة الإمام، قاضي قضاة مصر والشام، أبو عبد الله محمد ابن الصفي عثمان ابن الحريري، الأنصاري، الحنفي- كان يقول:
((إن لم يكن ابن تيمية: شيخ الإسلام؛ فمن؟؟؟؟؟؟؟؟؟)).
وسيأتي إن شاء الله تعالى ذلك في ترجمته، لأني رتبت أسماء من شهد لابن تيمية من الأعلام: بإمامته، وأنه شيخ الإسلام على حروف المعجم المألوفة اتباعا للطريقة المعروفة.
وابتدأت من ذلك بالمحمديين: تبركاً باسم سيد المرسلين - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -، واقتداء بأول من رتب الأسماء على الحروف من المحدثين، وهو: أبو عبد الله البخاري، شيخ الإسلام، والمسلمين …".
¥