تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تعكس الكتابات الأخيرة في التيار الليبرالي السعودي حالة الإرباك والضعف التي يعيشها هذا التيار وقصوره عن تقديم إنجازات ورؤى فكرية جادة تنزل إلى وعي الجماهير أو تقدم قناعات حقيقية قادرة على اختراق صفوف الممانعة في التيار السلفي التقليدي في السعودية.

فبعد سقوط خيارات التيار الليبرالي السعودي الدعائية والترويجية بالضرب على وتر الإصلاحات الحقوقية والسياسية وفشله في الاستفادة من التشويشات التي ألحقها بعض أبناء هذا التيار ممن تبنوا الخط العنفي، لجأ التيار إلى ممارسة أسلوب النقد التشكيكي والهدمي على الفكر السلفي وامتداداته في الفكر الإسلامي عامة، بغرض تقويض البنى المفاهيمية التي يشكل فيها الموروث العلمي والفكري لشيخ الإسلام ابن تيمية أهم الأعمدة المنهجية والفهمية فيه.

في هذا السياق، تناول مؤخرا سعود السرحان - سلفي سابق وليبرالي سعودي صاعد - بحثا مثيرا للجدل بعنوان " الحكمة المصلوبة: مدخل إلى موقف ابن تيمية من الفلسفة " حاول فيه توضيح الموقف الذي يدعيه على الواقع العلمي والثقافي في المملكة العربية السعودية، وهو الموقف الذي يحاكي الفكرة التقليدية المتجددة لليبراليين الحداثيين العرب، أمثال أركون، الجابري، أبو زيد، وحسن حنفي .. الخ، حيث الدعوة إلى إقامة مفاصلة عقلانية في الفكر والموروث الإسلامي جملة، وتحديد لحظة الجمود فيه بلحظات الأئمة الذين قادوا مراحل الفكر الإسلامي، ومن ثم تجاوز اجتهادا تهم؛ بحجة تأهيل الفكر الإسلامي إلى اجتهاد حداثي عصراني جديد، لنجد الجابري مثلا يكرس لحظة هذا الجمود بلحظة الغزالي، واركون وأبو زيد في لحظة الشافعي، وحسن حنفي في لحظة شيخ الإسلام ابن تيمية، وتجددها ادعاءات السرحان المتمذهب بمذهب حسن حنفي وعبد المتعال الصعيدي وسعيد فودة - اشعري - في البعد الفلسفي عند شيخ الإسلام، بحجة أن ابن تيمية لم يكن فيلسوفا بقدر ما كان ملفقا ومدعيا للفلسفة ومنتجا لحالة التكلس فيها.

فلحظة ابن تيمية كما يراها سعود السرحان؛ قد أوقعت العقل السلفي في أزمة التقليد وصناعة القوالب الفكرية الجامدة التي تعامل بها السلفيون مع تراث ابن تيمية الفلسفي، الذي لم يكن على كل الأحوال فيلسوفا حقيقيا بقدر ما كان ملفقا لموقفه الفلسفي من أقوال من سبقه من الفلاسفة والمناطقة المسلمين، مستفيدا في ذلك أيضا من مماحكاتهم وسجلاتهم الفلسفية، واعتماد ابن تيمية على مصادر غير دقيقة في إيراد مقالات فلاسفة اليونان، ناهيك انه كان يتبع منهجا نفعيا في كل ذلك.

في كتابه " الهادي والهاذي: ابن تيمية جلاد الحكمة المصلوبة " تصدى عبد الله بن عبد العزيز الهدلق لتلك الادعاءات التي انتصر بها سعود السرحان لخطه الليبرالي الجديد بعد انقلابه على المدرسة السلفية، وقد رافع الهدلق عن شيخ الإسلام مرافعة موضوعية وحقيقية غير متحيزة، تضمنت الكثير من الأدلة والشهود العلمية التي تؤكد العقلية الفلسفية التي تمتع بها شيخ الإسلام منذ نعومة إظفاره وكاشفا في ذات الوقت هزل تلك التلفيقات والافتراءات السرحانية.

فادعاء السرحان فقر الموروث العلمي الفلسفي عند ابن تيمية بحجة ما تجسده الحالة العلمية السلفية على الواقع الثقافي السعودي بعدم توافر كليات الفلسفة في الجامعات السعودية، في الوقت الذي ينصب فيه هذا الواقع الثقافي على التراث الديني من تفسير وحديث وفقه .. الخ، ليس دليل البتة على عدم وجود مساقات فلسفية عن فلسفة ابن تيمية في الجامعات السعودية، لأن المساقات نفسها متضمنه لهذه الفلسفة، وهذا معروف ليس عند التيار السلفي فحسب؛ بل عند من لا ينتسبون إلى مدرسة شيخ الإسلام من ليبراليين وعلمانيين وإسلاميين آخرين أمثال علي عبد الرازق وأبو يعرب المرزوقي ومحمد جلال شرف وعبد الفتاح احمد فؤاد ومحمد عمارة وعبد الحليم أجهر .. الخ، فكلهم يؤكدون أن ابن تيمية كان فيلسوف السلفية وحكيمها، وانه كان خبيرا في الفلسفة اليونانية فضلا عن معرفته الواسعة بالمذاهب الفلسفية الإسلامية وفلاسفة الإسلام وناقدا ممعنا في الفلسفة الارسطية بخاصة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير